التمثيل الرقمي العقاري في الإمارات: مستقبل واعد وتحديات عدّة
يكتسب تمثيل الأصول الرقمية الحقيقية القائمة على تقنية البلوكتشين زخمًا كبيراً، وأصبحت الممثلات الرقمية الأمنية شائعة في مجال الأموال والاستثمار، كونها تقدم مزايا عدّة مثل زيادة السيولة، فرص التداول العالمية، مشاركة أوسع للمستثمرين، تقليص التكاليف والوقت لإصدار الأوراق المالية، وتحسين الشفافية من خلال البلوكتشين والعقود الذكية.
هذا وقد يتبنى البنك الدولي تقنية البلوكتشين في المستقبل، كما هو موضح في تقرير أُطلِق في الآونة الأخيرة ويؤكد التقرير على مزايا استخدام البلوكتشين لرقمنة عمليات تمويل الديون لمشاريع البنية الأساسية والعقارات العالمية. كما يقر بإمكانية البلوكتشين في إضفاء الطابع الديمقراطي على التمويل وتعزيز الشفافية في عمليات البنك الدولي.
ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات في مجال تمثيل العقارات الرقمية. فأقر تقرير البنك الدولي بغياب معيار رسمي للتمثيل الرقمي معترف به عالمياً، ومكافحة غسيل الأموال ومعرفة عمليات العملاء الخاصة بك، ومخاوف الأمن السيبراني، والغموض المحيط بالوضع القانوني للعقود الذكية والممثلات الرقمية.
علاوة على ذلك، يشير التقرير إلى أن العديد من مشاريع التمثيل العقاري والبنية الأساسية الحالية كانت متاحة فقط للمستثمرين المعتمدين بسبب لوائح الأوراق المالية. ومع ذلك، فأن تصبح مستثمرًا معتمدًا ليس مجديًا بشكل عام لمستثمري التجزئة، حيث تختلف المتطلبات باختلاف الولايات القضائية. الأمر الذي يخفف من التأثير المقصود لإضفاء الطابع الديمقراطي على الاستثمارات من خلال التمثيل الرقمي. بينما يسلط التقرير الضوء على ولايات قضائية مثل الولايات المتحدة ولوكسمبورغ وسويسرا والاتحاد الأوروبي باعتبارها تمتلك أطرًا قانونية قوية لدعم التمثيل الرقمي، إلا أنه ينص على أن أطر عمل الإمارات العربية المتحدة من بين تلك التي لا تزال في المراحل الأولى من التطوير وتفتقر إلى الوضوح.
مشهدية التمثيل الرقمي العقاري قد تتبدّل..
هذا وتشهد الإمارات تطورات واعدة في مجال التمثيل الرقمي العقاري، على الرغم من أنها لا تزال في مراحلها الأولى. وفيما لا تزال مشاريع التمثيل الرقمي العقاري غير موثقة علنًا في الإمارات العربية المتحدة، إلا أن المؤشرات تدلّ على أن المشهدية قد تتبدّل قريباً ويشهد هذا القطاع تحولاً كبيراً.
وفي هذا الصدد، عقدت “أنلوك بلوكتشين” طاولة مستديرة افتراضية، جمعت خبراء القطاع للتعمق في المشهد الحالي لتمثيل الأصول الحقيقية رقمياً في الإمارات العربية المتحدة، مع التركيز على المزايا والجدوى والعقبات التنظيمية والتوقعات المستقبلية للتمثيل الرقمي العقاري.
وشارك في الإجتماع المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة The Convo السيد مانويل كركور، وهي شركة ضيافة أوروبية، عضو لجنة Cryptocurrency Essentials في CryptoCurrency Certification Consortium “هادي قبلان”، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة عقارتشين “وقاس نخوة”، وهي منصة استثمار عقاري قائم على البلوكتشين.
خلال اتجاهات السوق الصاعدة، يتم بيع العقارات بسرعة دون الحاجة إلى خبرة تقنية أو قانونية إضافية، وبالتالي تجنب المهمة المرهقة لإدارة التكنولوجيا. وبالمثل، خلال فترة الانكماش الاقتصادي، يمتلك المتخصصون في مجال العقارات الخبرة اللازمة للتنقل في الأسواق بفاعلية، وبيع العقارات دون الحاجة إلى تذكير دائم بالأسعار. ففي حال كان الإهتمام ينصبّ فقط على بيع العقارات، فإن التمثيل الرقمي ليس دائمًا هو النهج الأكثر فاعلية، كما اتفقت اللجنة.
من جهته، أكد “مانويل” أنه يمكن استخدام التمثيل الرقمي لإنشاء جسر بين العقارات القيمة والمستثمرين الأفراد الذين قد لا يكون لديهم رؤوس اموال كبيرة للاستثمار في العقارات الفردية. وقال: “من خلال التركيز على بناء العلاقات وسد الفجوة بين قيمة العقارات وقدرات مستثمري التجزئة، يتم إنشاء قيمة مستدامة”.
أمّا بحسب “هادي”، فإذا أراد الفرد الشروع في رحلة التمثيل الرقمي، يجب أن يتمتع بعقلية برمجية للانخراط في محادثة رقمية مع حاملي الممثلات الرقمية. يبرر هذا المنظور التكاليف الإضافية المتعلقة بالتكنولوجيا والأمن والتكاليف القانونية المرتبطة بعملية التمثيل الرقمي، حيث إن الممثلات الرقمية الصادرة لن تمثل حقوق الملكية أو الحقوق المالية أو أصحاب المصلحة فحسب بل ستعمل أيضًا كبرنامج تفاعلي، وما يمكن أن يفعله البرنامج محدود بالخيال فقط”.
مستثمرو التجزئة والعقبات التنظيمية
في حين أن المطورين في الإمارات العربية المتحدة قد لا يجدون مزايا كبيرة في التمثيل الرقمي فقط لزيادة المبيعات، بل يمكن لمستثمري التجزئة الاستفادة من القدرة المحتملة في حلّ المشكلات، وفقًا لـ”وقاص”. في الوقت الحالي، يتمحور النهج السائد للتمثيل الرقمي بشكل أساسي حول زيادة المبيعات والسيولة وتدفقات الإيرادات. في حين أن هذه الجوانب المالية لها مزايا متعددة، فإن “وقاص” تساءل عن القدرة المحتملة للتمثيل الرقمي على حل مشكلات المستثمرين، مثل قدرته على معالجة قضايا الميراث، والتعقيدات القانونية، وتبسيط عملية الشراء.
بالإضافة إلى ذلك، أقرّ “وقاص” بالأطر التنظيمية المتنوعة في مختلف البلدان والطبيعة شديدة التنظيم لقطاع العقارات. ويرى أن التمثيل الرقمي هو الحل لتحديات المستثمرين، وبخاصة تمكين الاستثمار عن بعد في الأسواق العالمية. ومع ذلك، تعيق التعقيدات التنظيمية تحقيق هذا الحل، حيث غالبًا ما يتبنى المنظمون نهجًا يركز على الديموغرافيا، مع مراعاة معايير متعددة مثل الآثار المالية، إدارة الأصول، ومخاوف الثقة.
هذا وأثنى وقاص على الحاجة إلى سوق عقاري ثانوي في دبي لتوفير السيولة وتمكين مستثمري التجزئة من المشاركة في التمثيل الرقمي العقاري. على الرغم من أن منصات التمويل الجماعي تتناول تجزئة العقارات، إلا أن منصات التمويل الجماعي للممتلكات في مركز دبي المالي العالمي محظورة حاليًا من تسهيل التداول الثانوي لهذه الأسهم.
وقال: “لا يتحقق الجوهر الحقيقي للممثل الرقمي عندما يُطلب من الأفراد الأثرياء ببساطة مشاركة أموالهم، لأن هذه الممارسة موجودة بالفعل في النظام البيئي. فبدون تمكين وصول أوسع إلى مستثمري التجزئة، لا يمكن أن يؤدي تمثيل الأصول الحقيقية رقمياً بشكل كامل إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على الاستثمارات.
في حين يرى “وقاص” أن التنظيم يمثل عقبة، قال هادي إن التحدي لا يكمن في التنظيم، بل في الصلاحية القانونية للعملات الرقمية التي يتم قبولها كسندات ملكية، وهو أمر لا يزال غير متاح على مستوى العالم. ويعتقد أن الآليات التنظيمية موجودة بالفعل لتوزيع الأوراق المالية وكيفية تقديم خيارات الاستثمار لمستثمري التجزئة، لكن التحدي يكمن في امتلاك عقلية رقمية.
وفي الوقت عينه، إذا كان الهدف هو استخدام البلوكتشين خاص، فسيكون استخدام قاعدة بيانات تقليدية أكثر فعالية من حيث التكلفة وفعالية. و إذا كان الفرد يريد فقط بيع الكسور، فيمكن لمنصات التمويل الجماعي والتجزئة التعامل معها دون التكاليف والمخاطر الإضافية التي تأتي مع فوائد استخدام البلوكتشين العامة.
هذا ولاحظ المجتمعون أن في سويسرا تكون أسهم الشركات الصغيرة والمتوسطة صالحة قانونًا عند تمثيلها على أنها مسجّلة على شبكة البلوكتشين. كما أنهم يتصورون أن يتم قبول سندات الملكية بشكل صحيح رقميًا في الإمارات العربية المتحدة، على غرار النهج المتبع في سويسرا، لكنهم يؤكدون أن هناك عوامل مختلفة تحتاج إلى التوافق، بما في ذلك التكنولوجيا والقانون واللوائح وعقلية السوق، للجهات التنظيمية في الإمارات العربية المتحدة لاعتماده.
وسلّط “مانويل” الضوء على أهمية صانعي السوق والطلب الكافي لدفع التنظيم النشط. يقترح الشراكة مع منصات التمويل الجماعي لعرض الخصائص المجمعة للعملاء المحتملين كاستراتيجية مثالية في الوقت نفسه. يعتقد مانويل أن إشراك صناع السوق وزيادة الطلب سيحفز المشاركة التنظيمية. وأشار هادي إلى أن الجهات الرقابية غالبًا ما تكون مدفوعة بمطالبة الجمهور، ويتوقع أنه بمجرد دخول مؤسسة مالية كبيرة إلى سوق الأصول الرقمية وتوفير السيولة والاختيار، فإن نشاط السوق سيؤدي إلى مشاركة تنظيمية أكبر.
التمثيل الرقمي العقاري قد يتجاوز مرحلة التجزيء
يعتقد هادي أنه خلال العقد المقبل، سيتجاوز التمثيل الرقمي العقاري، مرحلة التجزيء. ولفت إلى أن هذا التحول سيكون مدفوعًا بجيل جديد يدرك أهمية البرمجيات وكيفية تفاعلها مع الصناعات المختلفة. تتيح تقنية البلوكتشين التكامل الفريد بين العقارات والتمويل، وتحويل الأصول غير الرقمية التقليدية إلى وظائف مدفوعة بالبرمجيات. على عكس التجزيء الذي يقسم الأصول الموجودة ويشاركها، يقدم التمثيل الرقمي نهجًا أكثر ابتكارًا. وكشف هادي أن المحاولات الحالية للتجزئة محدودة وتفشل في الاستفادة من الإمكانات الكاملة للبرامج وقدرات البلوكتشين.
فالتكنولوجيا التي تقف وراء البلوكتشين تعتبر حديثة نسبيًا والمطورين بدأوا الآن فقط في استكشاف إمكاناتها. مع مرور الوقت، سوف يكتشفون تطبيقات جديدة تتجاوز التجزئة.
في الإمارات العربية المتحدة، يتوقع هادي أن نرى ظهور أسواق الأوراق المالية الحالية التي تتبنى تقنية البلوكتشين، مما يتيح الوصول العالمي إلى الكثير من الأصول الرقمية. ومع ذلك، فهو يؤكد على الحاجة إلى الاعتراف بأن هذا الانتقال سيتطلب عدة سنوات حتى يتحقق بالكامل ولن يحدث بين عشية وضحاها.