البيتكوين والذهب.. هل تتغير الأفضلية في ظل الحرب في الشرق الأوسط؟
يغلي عالمنا اليوم على وقع حربٍ ضروس في الشرق الأوسط، فتلقي النزاعات الإقليمية بظلالها على مكانة الملاذ الآمن المتصورة للذهب والعملات الرقمية، مع مخاوف بشأن التداعيات الاقتصادية المحتملة الكبيرة. فكان الصراع الروسي الأوكراني مثالًا حديثًا، ليتلوه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مما خلق جوّاً من عدم اليقين وعدم الاستقرار في الاقتصاد العالمي. ونتيجة لذلك، شرع العديد من المستثمرين بالبحث عن أصول تعتبر ملاذ آمن لحماية ثرواتهم، أبرزها البيتكوين والذهب.
مقارنة بين البيتكوين والذهب
البيتكوين هي عملة رقمية لامركزية ولا تخضع لسيطرة الحكومة، وقد تم النظر إليها على أنها وسيلة للتحوط ضد التضخم وعدم اليقين الاقتصادي. أمّا الذهب فهو معدن نفيس تم استخدامه كمخزن للقيمة لقرون، ويُنظر إليه على أنه وسيلة للتحوط ضد التضخم وعدم الاستقرار الاقتصادي. إذاً، أي الأصول هو الاستثمار الأفضل خلال الحرب في الشرق الأوسط؟
تحتل “بيتكوين” حاليًا المرتبة 12 من بين الأصول الأكثر قيمة عالميا والقابلة للاستثمار والقياس، وذلك بعد 14 عامًا فقط من صدورها. تتمتع البيتكوين بعدة مزايا على الذهب كاستثمار. أولاً، البيتكوين أكثر قابلية للنقل والسيولة من الذهب، حيث يمكن تحويلها بسهولة بين المحافظ ومنصات التداول. ثانياً، البيتكوين قابلة للتقسيم، مما يعني أنه يمكن شراء وبيع أجزاء من البيتكوين، مما يجعلها أكثر جذباً وسهولة للمستثمرين ذوي الميزانيات الأصغر. ثالثاً، البيتكوين لديها إمداد محدود، مما يجعلها عملة انكماشية، هذا يعني أنه من المرجح أن ترتفع قيمة البيتكوين بمرور الوقت مع انخفاض العرض.
ومع ذلك، فإن البيتكوين هي أيضًا أصل أكثر تقلبًا من الذهب، ما يعني أنّ سعرها يمكن أن يتأثّر بشكل أكثر حدة. بالإضافة إلى ذلك، فإن البيتكوين هي أصل جديد نسبياً، وقيمتها طويلة الأجل غير مؤكدة.
وتجدر الإشارة إلى أن وفي ظل الصراعات القائمة حالياً، ارتفع سعر عملة البيتكوين بنسبة ملحوظة بلغت 11.5%٪، ولأول مرة خلال هذا العام 2023 ارتفعت قيمة البيتكوين إلى 35 الف دولار. وفي الواقع، وصلت عملة البيتكوين الآن إلى أعلى مستوى لها منذ 16 شهرًا بأسعار اليوم.
وفيما يتعلّق بالحفظ، فيجب أن يخضع الذهب للحفظ الأمين بطريقة أو بأخرى عندما تكون الكميات كبيرة، كما أن تحويله إلى نقود ليس بالأمر السهل. في حالة الطوارئ، قد يبيع الكثيرون الذهب، لكن لن يشتريه الكثيرون، خاصة في الجغرافيات الصغيرة، وعندما لا يكون العبور عبر الحدود سهلاً.
بينما من السهل تحويل البيتكوين إلى نقود، ولكن ليس من السهل تحويله إلى عملات ورقية في كل مكان، كما أن ليس الجميع مستعدّون لبيع الخدمات والسلع مقابل البيتكوين حتى الآن.
بدوره، يتمتع الذهب بعدة مزايا غير متوفّرة في البيتكوين، أهمها: أولاً، الذهب هو أصل مادي يمكن الاحتفاظ به في حيازتك، فيمكن أن يكون هذا مهمًا في أوقات عدم الاستقرار الاقتصادي عندما يكون هناك خطر من انهيار الحكومة أو النظام المصرفي. ثانياً، الذهب لديه تاريخ طويل في استخدامه كمخزن للقيمة، وهو مقبول على نطاق واسع وموثوق به في جميع أنحاء العالم. ثالثاً، الذهب أصل نادر ذو إمداد محدود، مما يجعل منه أًصل انكماشي، مما يعني أن من المرجح أن تزداد قيمته بمرور الوقت، وهذه الميزة تعتبر مشتركة بين الذهب والبيكوين ذات الإصدار المحدود. كما وأن لا ترتبط قيمة الذهب بأي نظام حكومي أو اقتصادي، وغالبًا ما ترتفع أسعاره عند انخفاض أسعار الأسهم أو ضعف العملة، وبالتالي يساعد المستثمر بالحفاظ على أمواله.
ومع ذلك، فإن الذهب هو أيضًا أصل أقل قابلية للنقل والسيولة من البيتكوين، فيمكن أن يكون تخزينه ونقله بأمان أمرًا صعبًا. بالإضافة إلى ذلك، الذهب غير قابل للقسمة، مما يعني أنه يجب عليك شراء وبيع العملات أو السبائك كاملة. هذا يمكن أن يجعلها أقل سهولة للمستثمرين ذوي الميزانيات الأصغر.
أي أصل يجب الاستثمار فيه؟
إنّ أفضل أصل للاستثمار فيه خلال الحرب في الشرق الأوسط يعتمد على ظروف الفرد الشخصية وتحمله للمخاطرة. ففي حال كان يبحث عن أصل يعتبر كملاذ آمن قابل للنقل والسيولة وقابل للقسمة، فإن البيتكوين قد يكون خيارًا جيدًا لك. وفي حال كان يبحث عن أصل ملاذ آمن له تاريخ طويل في استخدامه كمخزن للقيمة ومقبول على نطاق واسع وموثوق به، فإن الذهب قد يكون خيارًا أفضل.
من المهم أيضًا ملاحظة أن كلاً من البيتكوين والذهب هما أصول متقلبة، فيمكن أن تتقلب أسعارهما بشكل كبير، ولا يوجد ضمان بأن أيًا منهما سيزداد في القيمة بمرور الوقت. لذلك، من المهم إجراء البحث الخاص بك واستثمار ما يمكنك تحمل خسارته فقط.
ووفقاً للرأي السائد، فإن أي تصعيد للصراع الجيوسياسي عادةً ما يكون فرصة استثنائية لشراء الذهب، حيث يُنظَر إليه على أنه وسيلة فاعلة للتحوط ضد عدم اليقين. لكن على الرغم من ذلك، يعتقد المحللون أن الحرب ليست السبب الوحيد وراء التغير في المعنويات نحو الذهب، فهناك عوامل أخرى تدعم سعر المعدِن الأصفر بشكل كبير، أبرزها ارتفاع عوائد سندات الخزانة، وقوة الدولار، ومشكلات التضخم في جميع أنحاء العالم.
البيتكوين وأداءها المتفوّق!
أظهرت بيتكوين أداءً متفوقًا بشكل ملحوظ، متجاوزة الذهب بمئة ضعف كمخزن للقيمة. فشهدت أسعار بيتكوين ارتفاعات كبيرة متعددة في الأشهر الأخيرة، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه التصاعدي مقابل الدولار الأميركي في السنوات المقبلة. وتشير التوقعات حتى إلى أن القيمة السوقية لبيتكوين قد تتجاوز قيمة الذهب بحلول عام 2030. ومع ذلك، يظل الذهب معدنًا نفيسًا يتمتع بتاريخ من الندرة يعود إلى العصور القديمة، مما يعزز قيمته الدائمة.
نتيجة لذلك، يعتبر الذهب خيارًا جذابًا للأفراد الذين يسعون إلى الاستقرار ويعطون الأولوية لأهداف الاستثمار طويلة الأجل، فلا يتطلب الاستثمار في الذهب رصدًا مستمرًا للأخبار أو الانخراط في توقعات محفوفة بالمخاطر. على العكس من ذلك، تجذب بيتكوين أولئك المستعدين للمخاطرة من أجل تحقيق عوائد كبيرة محتملة.
ماذا عن صناديق ETF؟
قفزت أكبر عملة رقمية في العالم بنسبة 28 في المئة خلال شهر أكتوبر وحده، والآن يراهن المستثمرون على أن المنظمين الأميركيين سيعطون الضوء الأخضر لصندوق تداول فوري للبيتكوين وبالتالي إطلاق العنان لموجة جديدة من الطلب.
وبحسب التقديرات التي صرح بها مضاربون في الأسواق، فسيجذب الصندوق مبالغ هائلة تبدأ من 3 مليار دولار في اليوم الأول لتصل إلى 55 مليار دولار على مدى خمس سنوات.
وفي هذا الصدد، قال كبير مسؤولي الإستراتيجية في مزود الاستثمارات “راوندهيل انفيسمنت”، ديف مازا، إن المقارنة الأقرب بالنسبة إليّ هي الذهب، لافتاً إلى أن سوق الذهب قد شهد تحولا جذريا بعد الموافقة على صناديق استثمار تداول فورية.
ختاماً، ما من إجابة محددة على سؤال أي الأصول أفضل للاستثمار فيه خلال الحرب في الشرق الأوسط، فذلك يعتمد على ظروفك الشخصية وتحملك للمخاطرة. صحيح أن البيتكوين أصل أكثر قابلية للنقل والسيولة وقابل للقسمة، لكنه أيضًا أكثر تقلبًا وله تاريخ أقصر من الذهب. أما الذهب فهو أقل قابلية للنقل والسيولة، لكن له تاريخ طويل في استخدامه كمخزن للقيمة ومقبول على نطاق واسع وموثوق به.