قرار غير مسبوق من الأرجنتين بشأن العملات الرقمية.. فهل يحذو لبنان حذوها؟
في أعقاب انتخاب الرئيس المؤيد للعملات الرقمية “خافيير ميلي”، “صادقت” الأرجنتين و”أكدت” على إمكانية استخدام البيتكوين كعملة في العقود الرسمية، وهذا الإجراء منصوص عليه في الإصلاحات الجديدة للسلطات.
صرحت ديانا مودينو، وزيرة الخارجية والتجارة الدولية في الأرجنتين، قائلةً: “نؤكد ونقر على أنه في الأرجنتين يمكنك إبرام عقود بالبيتكوين أو أي عملة رقمية أخرى”.
لم تذكر مودينو تفاصيل حول أي إجراءات جديدة قد تخطط لها الحكومة فيما يتعلق بالعملات الرقمية، لكن الموافقة المبكرة على أكبر عملة رقمية في العالم تتوافق مع آراء الرئيس المنتخب حديثًا ميلي بشأن السياسة النقدية وسط مشاكل التضخم المفرط وخفض قيمة العملة المحلية.
وجاء في تقرير “لـ”غراي سكايل” أنّ “ميلي” يعتبر البيتكوين أداةً حاسمة لمواجهة عدم كفاءة وفساد النظم المالية المركزية. ويعتقد البعض أن بدء استخدام بيتكوين بشكلٍ أكبر في ثاني أكبر اقتصادٍ في أميركا الجنوبية، الأرجنتين، من شأنه أن يُحفّز استخدام العملات الرقمية في جميع أنحاء العالم.
أزمة مشتركة بين لبنان والأرجنتين!
هذا وسجلت الأرجنتين وفنزويلا أعلى معدلات التضخم في 2023، فتكافح الأرجنتين للنجاة من أزمة اقتصادية خانقة، حيث إن الفقراء يشكلون أكثر من 40% من السكان رغم برامج الرعاية الاجتماعية، وسط الديون المستعصية وتراجع قيمة العملة.
وتعاني البلاد من زيادة مستمرة في الأسعار شهرا بعد شهر، في حين انخفضت الأجور، بما في ذلك حدها الأدنى إلى 146 ألف بيزو (400 دولار)، ووصلت تكاليف الإيجار إلى مستويات صعبة على كثيرين، مما يجعل ربات المنازل يلجأن إلى المقايضة للحصول على احتياجاتهن، على غرار ما حدث بعد الأزمة الاقتصادية الحادة في 2001.
فوضع الأرجتين مشابه جداً لوضع لبنان الإقتصادي الذي يرزح تحت أزمة إقتصادية خانقة بدأت عام 2019 وها هي مستمرة حتى يومنا هذا.
يشهد لبنان ومنذ نحو أربع سنوات، أزمة نقدية واقتصادية تسببت بسقوط القطاع المالي والمصرفي الذي كان يعد أحد أهم ركائر ودعائم الاقتصاد في البلاد. وقد أدت هذه الأزمة الى انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، الى مستوى تخطى الـ 100 ألف ليرة لبنانية من 1500 ليرة لبنانية في خريف 2019، وسط عدم قدرة البنوك على رد الودائع الدولارية للمودعين، في ظل شح العملات الصعبة وانخفاض احتياطي العملات الأجنبية في البلاد الى مستويات قياسية متدنية.
ومنذ بداية الأزمة في لبنان تحوّل البلد الى اقتصاد الكاش، في ظل رفض معظم الأفراد والتجار التعامل مع الأدوات التي يوفرها النظام المصرفي الحالي، خوفاً من تعرض أموالهم للحجز والاقتطاع مرة أخرى.
خطوة أولى نحو تبني واسع للعملات الرقمية
رغم لجوء البعض إلى أساليب غير قانونية للتعامل بالعملات الأجنبية، فقد تبنى آخرون العملات الرقمية كملاذ آمن مع تآكل قيمة البيزو الأرجنتيني. ورغم توقع البعض لهذه الخطوة، فإن موافقة الأرجنتين رسميًا على استخدام البيتكوين في العقود قد تكون بمثابة الخطوة الأولى نحو تبني شامل للعملات الرقمية على نطاق أوسع في البلاد.
وفي تصريح له عقب انتخاب ميلي، صرح ماوريسيو دي بارتولوميو، المؤسس المشارك لشركة “ليدَن”: “سيصبح بإمكان الأرجنتينيين قريبًا جدًا إجراء المعاملات بالبيتكوين والعملات المستقرة بطريقة قانونية”.
إنّ خطوة الأرجنتين قد تحمل تأثيرات إيجابية عديدة على اقتصاد البلاد قد تعمد إلى تعزيزه وخفض نسبة التضخم العالية، أبرزها:
- جذب الاستثمارات والابتكار: قد يؤدي تبني العملات الرقمية إلى جذب استثمارات أجنبية وشركات متخصصة في تقنيات البلوكتشين، ما يعزز القطاع المالي الأرجنتيني ويحفز الابتكار والتنمية الاقتصادية.
- بديل للنظام المالي التقليدي: يمكن للعملات الرقمية أن توفر خيارًا بديلًا عن النظام المالي التقليدي المعتمد على عملة البيزو المتزعزعة. وهذا قد يقلل الاعتماد على العملات الوطنية غير المستقرة ويقدم وسيلة للتحوط من التضخم.
إنّ قرار الأرجنتين السماح باستخدام البيتكوين في العقود الرسمية يحمل في طياته إمكانيات وتحديات، فيما ستعتمد كيفية تطور الأمور على قدرة الحكومة على الاستفادة من الفرص المتاحة ومعالجة المخاطر بمنهجية فعالة.
إلى ذلك، لا شك أن الأرجنتين اتخذت خطوة جريئة ومبتكرة بتبنيها واستخدام العملات الرقمية، بما في ذلك البيتكوين في العقود الرسمية. فتبني العملات الرقمية في لبنان قد يُشكل فرصة ذهبية لتحسين الاقتصاد المنهار، لكنه يتطلب خطوات مدروسة وحذرة من قبل الحكومة والقطاع الخاص. لذا، يجب وضع إطار قانوني واضح وتطوير البنية التحتية اللازمة لضمان اعتماد آمن وفعال لهذه التقنية الجديدة. كما يجب على الحكومة اللبنانية دراسة تجارب الدول الأخرى التي تبنت العملات الرقمية، مثل الأرجنتين، والاستفادة من دروسها، فضلاً عن ضرورة الاستثمار في تطوير تقنيات البلوكشين والخدمات المالية الرقمية. بالإضافة إلى نشر التوعية بين المواطنين اللبنانيين بمخاطر وفوائد استخدام العملات الرقمية قبل اعتمادها بشكل واسع.
فهل لبنان يحذو حذوها ويعاود تحسين إقتصاده المنهار؟