فشل “بترو”: درس يؤكّد على أهمية التقييم الدقيق قبل خوض غمار العملات الرقمية
في عام 2018، كشفت الحكومة الفنزويلية عن العملة الرقمية “بترو”، والتي زُعم أنها مدعومة باحتياطيات النفط الضخمة للبلاد. وقد تم تسويقها كأداة لتجاوز العقوبات الأميركية، وجمع رأس المال للحكومة، وتعزيز الشمول المالي، إلا أن “بترو” أثبت في نهاية المطاف أنه فشل مدوي، إذ عجز عن تحقيق أهدافه المنشودة.
يُسلط هذا الخطأ الضوء على ضرورة قيام الحكومات والشركات بتقييم دقيق للمشهد الاقتصادي والهيكلي قبل الشروع في مشاريع العملات الرقمية الخاصة بها. إن الإدخال المتسرع للعملة الرقمية كعلاج شامل للعملة الوطنية المتعثرة ليس حلاً قابلاً للتطبيق. وبدلاً من ذلك، يتضمن النهج الأكثر فعالية معالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار الاقتصادي، وتعزيز النظام المالي، وتحسين البنية التحتية، وهي خطوات أساسية لخلق بيئة اقتصادية مستدامة وعادلة.
العملات الرقمية: حلول سريعة ومسكنات لا تشفي
يُعد فشل العملة الرقمية “بترو” مثالاً صارخاً على الأوهام الكامنة في محاولة إنقاذ عملة وطنية منهارة من خلال إصدار عملة رقمية، وهو بمثابة محاولةٍ لتضميد جرح عميق بلاصقة صغيرة. فمن دون معالجة المشكلات الحقيقية الكامنة، مثل التدخل الحكومي المفرط والتلاعب بالعملة وانعدام الشفافية، كان مصير “بترو” الفشل المحتوم.
هذا وتفاقمت عيوب “بترو” بسبب ضعف النظام المالي في فنزويلا وقصور البنية التحتية. فالتناقض بين طبيعة “بترو” كعملة مركزية وتقاليد نظام مالي لامركزي ومفتوح المصدر ساهم في فشله. إضافةً إلى ذلك، شكلت البنية التحتية لشبكة الإنترنت المتخلفة في فنزويلا والوصول المحدود إلى الخدمات المالية عقبات تحول دون تبني “بترو” على نطاق واسع.
قصور في إمكانية الوصول إلى الإنترنت
يبرز فشل “بترو” أهمية ضمان وصولٍ شاملٍ إلى الإنترنت. ففي فنزويلا، حيث لا يتجاوز نسبة مستخدمي الإنترنت 61.6% من السكان في عام 2023، أقصي جزء كبير من الشعب فعليًا عن استخدام “بترو”. وتعيق قلة الإنترنت على تبني العملة الرقمية، مانعًا تحولها إلى أداة مالية شاملة.
وفي الفصل الأخير المأساوي لحكاية العملات الرقمية، تقرّر إيقاف جميع المحافظ الرقمية على منصة “باتريا” – الملجأ الوحيد الذي ظلّ يتيح التعامل مع “بترو” – اعتبارًا من يوم الاثنين، 15 يناير. وتضفي رسالةٌ قاتمةٌ معروضةٌ على موقع المنصة منحى حزين على الخبر: إذ سيُحكم على أيٍّ من وحدات “بترو” المتبقية بالتحويل إلى العملة المحلية المنهارة، البوليفار. وهذه الخاتمة تُلقي الضوء على مدى سقوط “بترو”، وتعزز مكانتها كقصة تحذيرية في تاريخ العملات الرقمية.
أخيراً، يقدم انهيار “بترو” دروسًا قيمةً للحكومات والشركات التي تفكر في إطلاق مبادرات خاصة بالعملات الرقمية. وبدلًا من اعتبار العملات الرقمية حلولًا سريعة لمشاكل اقتصادية، ينبغي على صناع السياسات التركيز على معالجة القضايا الهيكلية الأساسية التي تعيق النمو والاستقرار الاقتصاديين.