صناديق تداول البيتكوين الفورية و”غراي سكايل”: استكشاف تأثيرها على مستقبل العملة الرقمية!
شهد عالمُ العملاتِ الرقمية لحظةً تحوّليةً مع إطلاق صناديق تداول البيتكوين الفورية في عام 2024. فقد مثّل هذا التطورُ الهام تحوّلاً ملحوظاً في آلية تعاطي المستثمرين مع الأصول الرقمية الرائدة في العالم، وأثارَ كذلكَ تساؤلاتٍ حرجة بشأن التأثير الجوهري الذي يُمكنُ أن تحدثه هذه الصناديقِ على مُستقبل بيتكوين. ومع كَسبِ هذه الأدوات الاستثمارية زخمًا وتقدمًا ملحوظًا، تبرز أيضًا تحدياتٌ ومناقشاتٌ محتملةٌ تحومُ حولَ تأثيرها على مسار بيتكوين المستقبلي، وتضفي عليه طابعًا من التعقيد. ومن الأمثلة الحديثة البارزة على ذلك التأثيرُ الكبيرُ لحركات “غراي سكايل” الاستراتيجية وأنشطة البيع الخاصة بها، الأمرُ الذي يُشدّد على الدور الديناميكي الذي تلعبه صناديق تداول البيتكوين الفورية على مؤشر بيتكوين في رسم ملامح مستقبله.
الريادة المبكرة لـ “غراي سكايل”
تحتل Grayscale Bitcoin Trust Fund موقعًا متميزًا كصندوق وحيد يمتلك 619,162 وحدة بيتكوين منذ التأسيس. وشهد يناير 2024 خطوةً مهمةً مع تحويل “غراي سكايل” لمنتجها الرائد (GBTC)، إلى صندوق تداول تداول فوري (ETF) مرتبط بسعر صرف بيتكوين. وكان GBTC في السابق صندوق استثمار مغلق، ولكن تحويله إلى ETF يسمح الآن بالإنشاء والاسترداد المستمر للأسهم بناءً على طلب المستثمرين، ما يصطفه مع ديناميكيات صناديق الاستثمار التداولية التقليدية.
تحدي جوهري
يرافق الإقبال المتزايد على صناديق تداول البيتكوين الفورية قلق محوري بشأن إمكانية تحويلها إلى أدوات للتلاعب بسوق العملات الرقمية. فعند امتلاك كيانات أو مجموعات حصصاً كبيرةً في بيتكوين عبر هذه الصناديق، يُعتقد بقدرتهم على التأثير على الأسعار من خلال عمليات بيع وشراء محسوبة ومنسقة، مما قد يضر بالاستقرار ويوقع الضرر على المستثمرين الأصغر حجماً.
يبرز الفارقُ المُلاحظ بين سعر تداول GBTC والقيمة الفعلية لبيتكوين كنموذجٍ حي على هذا القلق. إذ تُباع أسهم GBTC عادةً بأعلى أو أقل من السعر الفعلي لبيتكوين، وهو ما يثير تساؤلات حول إمكانية حدوث تلاعبٍ صناعيٍ في السوق.
سوابق تاريخية
لم تكن مخاوف التلاعب بالأصول عبر صناديق الاستثمار التداولية أمراً جديداً. ففي عام 2012، ألقت قضيةٌ شهيرة الضوء على قيام بنك JPMorgan Chase بالتلاعب بعقود الذهب الآجلة، وبالتالي التأثير على أسعار صناديق الاستثمار التداولية المرتبطة بالذهب. وفي عام 2008، واجهت شركات طاقة اتهامات بالتلاعب بأسعار عقود النفط الآجلة، ما قد يكون أثر أيضاً على صناديق التداول الفورية التي تتعقب أسعار النفط.
هذا ويُثير إطلاق صناديق تداول البيتكوين الفورية مخاوف جدية بشأن هيمنة هذه الجهات على السوق وارتباطاتها المتنامية بعناصر الشبكة، ولا سيما “المعدنين” المسؤولين عن تأمين وحماية النظام.
من الناحية النظرية، قد يمارس مصدرو صناديق تداول البيتكوين الفورية الكبيرة ضغوطًا على القائمين بالتعدين لتبني ممارسات محددة، مثل إعطاء الأولوية لأساليب التعدين الصديقة للبيئة المتوافقة مع الأهداف البيئية والاجتماعية والحوكمة. وفي حين أن هذا قد يفيد البيئة، إلا أن المخاوف تنشأ بشأن المركزية واحتمال فقدان استقلالية المعدّنين. بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاوف بشأن تحفيز القائمين بالتعدين للتلاعب برسوم المعاملات أو حظر المكافآت لصالح حاملي صناديق التداول الفورية، مما يؤثر على المشاركين الصغار. ويمكنهم أيضًا استخدام قوتهم الاقتصادية للضغط من أجل إجراء تغييرات على بروتوكول البيتكوين بما يفيد مصالحهم، مما قد يقوض الطبيعة اللامركزية للشبكة ومقاومتها للتلاعب.
رؤية متوازنة
ما وراء المخاوف،يُثيرُ صعود صناديق تداول البيتكوين الفورية جدلاً حاداً حول تأثيرها على مستقبلِ العملة. بَيدَ أنّ المخاوفَ المطروحة بشأن التلاعب والسيطرة وعوامل البيئة والاجتماع والحوكمة (ESG) لا ينبغي أن تحجبَ عنّا قوىً معاكسةً تضعُ الأمور في سياق أكثر توازناً. فيتمتع مجتمع بيتكوين بطبيعة لامركزية فطريةٍ تُشكلُ عقبةً كأداء أمامَ أيِّ محاولةٍ للسيطرةِ المُطلقةِ على سِيرِ العملة. فشبكةُ بيتكوينَ مُوزَّعةٌ لا مركزية، ويملكُ مستخدموها درجةً لا مثيلَ لها من الحِريةِ والسيطرةِ على أصولهم. كما يتميَّزُ المجتمعُ بعِدائيته الشديدة تجاهِ أيِّ محاولةٍ لفرضِ سُلطةٍ مركزيةٍ أو تأثيرات خارجية قسرية.