تعدين العملات الرقمية في لبنان: هروبٌ من الأزمة الاقتصادية يقابله تحديات وتعديات!
خاص لـ "أنلوك"، إلى أي مدى ينشط تعدين العملات الرقمية في لبنان اليوم؟ ماذا عن الصعوبات والتحديات؟
ما قبل عام 2019، لم تكن الأزمة الإقتصادية السّبب الرئيسي لانطلاق “تعدين العملات الرّقمية” في لبنان، لكن ممّا لا شكّ فيه أنّها أصبحت أولى وأهمّ الأسباب في الآونة الاخيرة لتوجّه الشّباب اللبناني نحو “تعدين العملات الرقمية” المعروف بمصطلح “Crypto Mining” باللغة الإنكليزية. فقد ضجّت مؤخّراً في لبنان عناوين كثيرة كالتّعدين والعملات الرقمية كالبيتكوين والإيثيريوم وغيرها. وكتبت صحف لبنانية حول نشاط تعدين العملات الرّقمية الذي يدخل فيه اليوم قسمٌ ليس بضئيل من الشباب اللّبناني والقسم الآخر بدأ يستفسر عنه.
فما معنى تعدين العملات الرّقمية؟ والى أي مدى ينشط هذا المجال في لبنان اليوم؟ من أين يأتي الشباب اللبناني بمعدات التّعدين؟ كم كلفتها؟ من يكفلها؟ كم تستهلك من الطّاقة؟ كم هو حجم الرّبح؟ وما هي العملات الأكثر رواجاً التّي يتم تعدينها في لبنان؟
تعرّف منصّة “Binance Academy” مصطلح تعدين العملات الرّقمية بأنّه “عملية التحقق من صحة المعاملات (Transaction Verification) على شبكة البلوكتشين وتدقيقها. يستلزم هذا العمل موارد حاسوبيّة هائلة، أي آلات تعمل على فكّ شيفرات ومسائل رياضية معقدة للتحقق من صحة البيانات ومن ثم تسجيلها على شبكة البلوكتشين ممّا يحافظ على الأمان والشفافية على هذه الشّبكة. وما إن ينجح المعدّن في فكّ هذه الشيفرات يُكافأ بعملات أو بأجزاء من العملات الرّقمية إضافةً الى جني الأرباح من رسوم المعاملات.”
والجدير ذكره، أن نشاط التعدين في لبنان بحسب قوة آلات التعدين المتوفرة (Hashing Power)، يقتصر على التحقق من صحة المعاملات على البلوكتشين فقط. إذ أن المعدنين في لبنان، أغلبهم لا يستطيعون أن يعدنوا عملات جديدة من البيتكوين من خلال قدرة التعدين المتوفرة لديهم لأن عملية تعدين البيتكوين تتطلب قدرة وقوة هائلة لحل مسائل معقدة للغاية والآلات التي تمتلك هذه القوة ليست موجودة في لبنان.
لذا، لا يشكل لبنان نسبة مهمة من حجم التعدين عالميًا، بل تقتصر مساهمته على تأكيد المعاملات على الشبكات التي يتم التعدين عليها وذلك لتوزع قدرات التعدين على أفراد ذوي قدرات محدودة ومعدات متقادمة بعض الشي.
من أين يتم شراء آلات التعدين؟
بحسب معلومات أنلوك، أغلب آلات التعدين يتم شراءها وشحنها إلى لبنان من الصين. ويؤكد أحد المعدنين، قائلًا: “تصل آلات تعدين العملات الرقمية إلى لبنان عبر المطار أو عبر المرفأ (البور) بحرًا.”
من يكفل آلات التعدين؟
وبالنسبة لكفالة الآلات، فالجديدة منها تكفلها الشّركات المتخصّصة بشحنها لمدة تقارب السّنة الواحدة والمستعملة تكفل بحدود الشهر الواحد فقط. وبشهادة أحد المعدنين، “التجار الّذين يبيعون هذه المعدات يكفلونها ولكن ليس لمدة طويلة لأن هذه الآلات والمعدات حسّاسة للغاية ومعرّضة للكثير من الأعطال لذلك من الصعب كفالتها لمدة طويلة.”
أين توضع آلات التعدين؟
بحسب المعلومات الّتي اطّلعت عليها “أنلوك” من قبل معدنين لبنانييّن، فإنّه بإمكان المعدّن أن يضع آلة واحدة أو آلتين كحدٍ أقصى في منزله الخاصّ، ولكن في حال يريد المعدن وضع عدد كبير من آلات التعدين أي إنشاء “مزرعة للتعدين”، فيجب أن يجد مكانًا ما، كمنزلٍ غير مسكون أو مزرعةٍ بعيدة لوضع هذه المعدات الّتي تصدر أصواتًا وتبعث حرارةً عالية في حال كان عددها كبير، فتلزم المعدّن أيضاً بتوفير التّبريد. ومزرعة التعدين هي مكان يحتوي على عدد كبير من آلات تعدين العملات الرقمية، تسرّع من عمليات تعدين العملات وتعطي مردودًا أكبر. أمّا عن الأعداد الصغيرة كالآلة الواحدة أو الآلتين فيكتفي المعدّن بالمراوح الخاصّة الموجودة في الماكينات لتبرّد تلقائيًا دون الحاجة إلى معدّات ووسائل تبريد.”
كيف يتم توفير الكهرباء والإنترنت؟
الناشطون في مجال التعدين يعانون من تحديات وصعوبات عدة في لبنان كانقطاع التيار الكهربائي بشكلٍ شبه تام، مما يضطرهم الى إيجاد حلول بديلة عن خدمة كهرباء الدولة فيلجؤون الى تركيب الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء للتعدين أو إلى تأمين مولدات كهربائية كبيرة وهنا يبرز تحدٍّ ثانٍ وهو كلفة مادة المازوت التي أصبحت بحسب سعر صرف الدولار في السوق الموازية في لبنان. ويقول أحد المعدنين لأنلوك أن “أغلب الأفراد اليوم يذهبون لحلول تركيب الطاقة الشّمسية لتوليد الكهرباء لهذه المعدات.”
وينشط تعدين العملات الرقمية بشكل كبير في مناطق وقرى البقاع الغربي وراشيا وبعض مناطق الجنوب لأنّ الطاقة الكهربائية أي خدمة كهرباء الدولة متوفرة في هذه المناطق بشكل أفضل بكثير من سائر المناطق في لبنان. وقد شاع في لبنان في الآونة الأخيرة وبالأخصّ في المناطق الرّيفيّة الّتي لا تعاني انقطاعاً في التيار الكهربائي كما في العاصمة بيروت وباقي المناطق، التذمّر من الضغوطات على شبكة التيار الكهربائي الّتي لا زالت تتغذى بشكلٍ شبه تام بخدمة الكهرباء ممّا لفت الشباب في هذه المناطق للعمل ضمن المجال. يقول أحد الشبّان الناشطين في مجال التعدين أنّ “كلفة كهرباء الدولة التي لا تزال على سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية قديماً أي على سعر 1500 ل.ل، تساعدنا على دفع كلفة بسيطة للغاية لتشغيل المعدات، على سبيل المثال، إذا أردنا تشغيل آلة واحدة للتعدين فهي لا تستهلك سوى 2 أمبير لشهرٍ كامل (حسب نوعها)، ما يكلّف حوالي 17,000 ل.ل شهريّاً فقط.”
ويقول ناشط آخر، “التذمر جرّاء هذه المعدات على ضغوطات التيار الكهربائي ليس سوى وهم، إلّا في حال وجود أماكن مخصّصة لإنشاء “مزارع تعدين” ففي هذه الحالة يحدث ضغط كبير على الشبكة بالطبع.”
وفي خصوص شبكات الإنترنت، لا تحتاج هذه المعدات إذا كان عددها قليل إلى سرعة هائلة للإنترنت ولكن في لبنان تحديدًا علمت أنلوك أن الكثير من المعدنين يقومون بمدّ شبكة إنترنت خاصّة من شركتي الإتصالات(touch) أو (Alfa) لتشغيل آلات التّعدين لأنّها لا تنقطع مثل اشتراكات خدمة الإنترنت العادية.”
التعدين في لبنان: تحديات وتعديات؟!
مع الإقبال الكثيف على تعدين العملات الرقمية في لبنان وخاصة في الفترة الأخيرة في مناطق البقاع الغربي، راشيا، إقليم الخروب، الشوف وإقليم التفاح وجزين، لاحظت الجهات المعنية أن الضغوطات على شبكة الكهرباء ارتفعت بشكلٍ كبير في هذه المناطق، ما أدى إلى توجيه المصلحة الوطنية لنهر الليطاني (البقاع الغربي) طلبات توجب إزالة التعديات على شبكات توزيع الكهرباء بسبب أنشطة التعدين وقامت المصلحة بحسب مديرها العام د. سامي علوية بإرسال كتب إلى كل من مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة والمياه ووزارة الداخلية والبلديات وغيرها من الجهات الرسمية تصنف ضمنها أنشطة التعدين كأنشطة غير قانونية وغير شرعية نظرًا لاستهلاكها الكبير جدًا من الطاقة واعتبرتها شكل من أشكال التعديات. وبحسب علوية “لقد بادرت الجهات المعنية في منطقة جزين على تفكيك أجهزة وآلات تعدين كثيرة.”
ويؤكد علوية أنّ “هناك أفراد نافذين أيضًا في المناطق المذكورة يقومون بتعدين العملات الرقمية على حساب الشبكات الكهربائية ولا يقتصر العمل في هذا المجال على الشباب فقط أو على العمل الفردي.”
ويصرح، قائلًا: “التعديات على الشبكة هي بنسبة 25% وتم رصدها بالأخصّ خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة وسببها الرئيسي هو نشاط تعدين العملات الرقمية.”
حجم الأرباح
تتعلق قوة نشاط التّعدين وحجم الأرباح بسعر العملة التّي يتم تعدينها، ففي حال ارتفع سعرها سيستفيد المعدن ويجني أرباحًا أكبر. وأكثر العملات الرائج تعدينها في لبنان هي عملة البيتكوين، عملة الإيثيريوم، عملة اللايت كوين والبعض يعدّل أيضًا عملة الكادينا لأنها أقل كلفة من غيرها.
ويشرح أحد المعدنين لأنلوك أنّ “المعدن يجني المال بحسب أسعار العملات المعدنة أولًا وثانيًا حسب عدد الصفقات المالية التي تحصل على البلوكتشين(transcations) وحجم عمليات التداول من بيع وشراء فعندما يزداد حجم هذه النشاطات، يزداد عمل المعدنين وبالتالي يزداد مردودهم. كما وتؤثر أيضًا قوة وقدرة الآلة على التعدين (hashing power) على حجم المردود الذي سيعود إلى المعدن. مثلًا اليوم في لبنان الأفراد الذين يضعون آلة واحدة في منازلهم يجنون من خلالها حوالي 150 دولار أميركي شهريًا ويتراوح هذا السعر حسب العوامل التي ذكرت.” ويؤكد بدوره أن “عدد المعدنين في لبنان ارتفع بشكل جنوني خلال الأشهر الستة والخمسة الماضية وبنسبة كبيرة جدًّا. إضافةً إلى أنّ هناك نسبة كبيرة اليوم يصلها مردود مرضٍ جرّاء العمل في هذا المجال.”
يبدو أنّ اللبنانيين وبالأخصّ الفئة الشابة منهم لجأوا إلى نشاط تعدين العملات الرقمية وإلى تداول هذه العملات عبر المنصات هروبًا من واقع مرير يعيشونه اليوم في بلدهم بحثًا عن “الفريش دولار” كي يستطيعوا تسيير حياتهم وظروفهم المعيشية. لكن في لبنان من الصّعب أن تحدث الأمور بشكلٍ طبيعي، إذ أن الدولة عاجزة عن تأمين أبسط متطلبات المعيشة، “خدمة الكهرباء”، في وقتٍ يسعى أبناؤها إلى خوض تحدياتٍ وصعوباتٍ كثيرة محاولين مواكبة التطور والدخول في عالم العملات الرقمية والتعدين.
ورغم كل هذا، يبدو أنّ الإقبال على سوق العملات الرقمية وتعدينها يكبر بشكلٍ ملحوظ في لبنان، لكن بالمقابل التحديات كثيرة، فماذا عن الكهرباء وخدمات الإنترنت؟ وفي سياقٍ آخر، ماذا عن القوانين الّتي يجب أن تنظم نشاط التّعدين واستخدام معدّاته وكذلك تداول العملات الرّقمية في لبنان؟ وفي ظل الإقبال الضخم على العملات الرقمية، هل هذه القوانين والإجراءات التنظيمية لا زالت بعيدة بعض الشيء في لبنان نظرًا للصعوبات التي يمرّ بها؟