مبادرات “الإمارات” تجذب الأنظار.. هل ستصبح المركز العالمي للبلوكتشين والعملات الرقمية؟
مع انطلاقة تقنيّة البلوكتشين والعملات الرّقميّة وبدء الدّول والأنظمة في اكتشافها وتبيّنها، برز مشهدٌ لافتٌ في الإمارات العربية المُتّحدة حيث احتضنت هذه التقنيات أي البلوكتشين ومجال العملات الرقمية وتبنّتها وبدأت باعتمادها في أعمالٍ عدّة في مؤسساتها سواء العامة أو المؤسسات الخاصّة وليس فقط في مجال التمويل والتكنولوجيا المالية(Fintech) بل في مجالاتٍ عدّة.
عالميّاً ومنذ إنطلاقة مجال العملات والأصول الرقميّة، كانت سنغافورة هي الدولة الأولى والسبّاقة في احتضان هذه العملات واعتمادها والسّماح بأكبر نشاطات لتداول العملات الرّقميّة ضمن حدودها وبتواجد شركات متخصصة في هذا المجال ضمنها.
إلّا أنه اليوم وعالميًّا، تجذب دولة الإمارات العربية المتحدة الأنظار في مجالي البلوكتشين والعملات الرّقميّة (Cryptocurrency) أكثر من الأخيرة (سنغافورة) إذ لم تقتصر محاولات دولة الإمارات في هذين المجالين فقط في تبنّي التقنيات والعمل بها، بل أصبحت الإمارات أولى الدول التي أدخلت تقنية البلوكتشين والعملات الرقميّة ضمن استراتيجيات الدولة العامّة لتحقيق رؤاها للسنين المقبلة لا بل نظمتها بأطرٍ خاصة ضمن قوانينها.
استراتيجيات الإمارات الرسمية نحو البلوك تشين
خلال أبريل 2018، أطلقت حكومة الإمارات إستراتيجية الإمارات للتعاملات الرقميّة (بلوك تشين) 2021. وكانت تهدف هذه الإستراتيجية إلى توظيف تقنية البلوكتشين لتحويل 50 بالمائة من التعاملات الحكومية إلى منصة بلوك تشين بحلول عام 2021.
وعادت هذه الاستراتيجية بالإفادة على دولة الإمارات إذ ساهمت في توفير 11 مليار درهم، كانت تنفقها سنويًا لتقديم وتوثيق المعاملات والمستندات. كما وفرت 399 وثيقة حكومية ووقتًا يعادل 77 مليون ساعة عمل و1.6 مليار كيلومتر من القيادة على السائقين العاملين مع الجهات المعنية.
وعلى وجه الخصوص كذلك، أطلقت إمارة دبي في دولة الإمارات أيضًا إستراتيجية خاصة فيها، كاملة ومستقلة للتعاملات الرقمية (بلوكتشين). وكانت هذه الاستراتيجية تقوم على ثلاث ركائز في دبي وهي: كفاءة الحكومة، تأسيس الصناعات والقيادة العالمية.
وقد سبق ذلك، إعلان مؤسسة دبي لمتحف المستقبل عن تأسيس المجلس العالمي للتعاملات الرقمية (البلوكتشين) The Global blockchain council منذ فبراير 2016 والذي يتكون من 46 عضوًا.
وبالإضافة إلى ذلك قامت العديد من المشاريع القائمة على تقنية البلوكتشين منذ انطلاقها كتقنية مستجدة في الإمارات. أمّا في مجال العملات والأصول الرقمية، فالخطوة الكبرى التي نقلت دولة الامارات وخاصّة إمارة دبي في هذا المجال من مرحلة الإحتضان الى مرحلة الإعتماد ضمن الأطر القانونية هي إطلاق قانون رقم (4) لسنة 2022 بشأن تنظيم الأصول الإفتراضية في إمارة دبي والّذي صدر في دبي بتاريخ 28 فبراير 2022.
الخليج يسبق سنغافورة
وفي حين اقتصرت مرحلة الإحتضان على الكثير من الشركات التي أدخلت نظم العملات والأصول الرقمية والدفع بالعملات الرقمية من مؤسسات مالية إلى شركات عقارية وألعاب أو حتى مطاعم إماراتية وغيرها… فبعد إصدار هذا القانون، لفتت الإمارات ودبي تحديدًا كبار الشّركات واللاّعبين في مجالي العملات الرقمية والبلوكتشين لتتسابق هذه على نقل مقراتها الرئيسية إلى الإمارات أو افتتاح مراكز خاصة لها ضمن دولة الإمارات. ومن أبرزها: Binance، FTX، Crypto. Com وغيرها.
والمثير للجدل، أنّ الكثير من الشركات التي كانت تتخذ من سنغافورة مقرًا رئيسيًا لها، أخذت خطوات بنقل مقرّاتها الرئيسية من سنغافورة تحديدًا إلى الإمارات العربية المتحدة. وأسماء هذه الشركات:
- Bybit
- Crypto.com
- FTX
- Binance
وقد كتبت صحيفة فايننشال تايمز مؤخّرًا بأنه “وبينما وافقت سنغافورة على عدد قليلٍ فقط من مؤسسات العملات الرقمية التي تقدمت بطلبٍ للحصول على تراخيص، اجتذبت دبي العديد من الشركات ذات الوزن الثقيل في هذا المجال وخاصةً في الأسابيع التي تلت إطلاق إطارها القانوني الخاص بها. فقد كان يُنظر إلى سنغافورة على أنها مركز أساسي لهذا المجال في آسيا. أما الآن، فقد انتقلت نقطة الجذب نحو الخليج حيث توجه بعض الشركات أنظارها إلى نظام قانوني أكثر احتضانًا.”
وتجدر الإشارة إلى أن إمارة أبوظبي كذلك عبر سوق أبوظبي العالمي قد كانت سباقةً في إصدار تشريعات تنظيمية في هذا المجال ولديها 6 تراخيص ولدى سلطة وادي دبي للسيليكون واحدا على الأقل، وفقاً لتقرير حكومي اطلعت عليه بلومبرغ. وفي الآونة الأخيرة رخّصت سوق أبوظبي العالمي لشركة “كراكن-Kraken” وهي منصة عالمية لتداول الأصول والعملات الرقمية وقد كانت أول منصة تحصل على تصريح مالي كامل لمزاولة خدمات تداول الأصول الافتراضية في سوق أبوظبي العالمي. وكذلك منحت السوق التراخيص لشركات محلية كـ”ماتركس-Matrix” و “ميدشاين-MidChain”…
وتظهر البيانات والنّسب أنّ دولة الإمارات العربية المتحدة ككلّ تنجز سنويًّا تعاملات تُقدَّر بـ 25 مليار دولار أميركي عبر العملات الرقمية (المشفرة). ووفقًا لبيانات موقع “Chainalysis”، احتلّت الإمارات بين يوليو 2020 ويونيو 2021 المرتبة الثّالثة في منطقة الشرق الأوسط من حيث حجم تداولات العملات الرقمية بعد لبنان (26 مليار دولار) وتركيا (132.4 مليار دولار).
أهم مشاريع البلوكتشين الحكومية في الإمارات
أطلقت الإمارات بدايةً استراتيجية دبي للتعاملات الرقمية بلوك تشين بهدف تحويل دبي إلى مدينة تدار بالكامل عبر تقنية البلوكتشين. وبعد الجهود الكبيرة التي بذلتها مؤسسة دبي للمستقبل تم تأسيس المجلس العالمي للتعاملات الرقمية للعمل على تنظيم التعاملات عبر منصات قائمة على تقنية البلوكتشين. ويضمّ هذا المجلس 46 عضو من قطاع التعاملات الرقمية ومجموعة من الجهات الحكومية والمصارف الرّائدة في دولة الإمارات العربية المتحدة والمناطق الحرة وشركات التكنولوجيا. أمّا عن المشاريع الحكومية الإماراتية الأبرز القائمة على تقنية البلوكتشين:
- مشروع موانئ دبي العالمية إذ اعتمد قطاع الشحن من خلال هذا المشروع على تقنية البلوكتشين بينما كان يقوم منذ وقتٍ طويل على المعاملات الورقية مما سهّل التسويات المالية بين المستورد والمصدّر والوسطاء وأتاح للموانئ مشاركة البيانات وأتمتة التعاملات.
- مشروع طيران الإمارات فقد قررت الشركة إضافة قناة بلوك تشين للإستفادة من تقنية البيانات الموزّعة (DLT) لتسوية المدفوعات وإدارتها.
- مشروع دبي الذكية بلوكتشين لتسوية المدفوعات اليدوية الطّويلة والمكلفة الّتي كانت تستغرق 45 يوم قبل اعتماد البلوكتشين.
- مشروع بنك الامارات دبي الوطني حيث قرر البنك الاعتماد على تقنية البلوكتشين لمكافحة الشيكات المزوّرة في عمليات الاحتيال.
- مشروع إدارة دورة حياة المركبة إذ عملت هيئة الطرق والمواصلات في دبي على تنفيذ هذا المشروع الذي يسمح بتتبع ملكية المركبات وعمليات بيعها وسجلاتها بالإعتماد على تقنية البلوك تشين بشكلٍ كامل.
- مشروع جمارك دبي إذ تم بناء منصة إلكترونية مبتكرة غير مسبوقة تعتمد بالكامل على تقنية البلوكتشين، توفّر قدر هائل من الوقت. وأصبحت بذلك عملية ضم الشركات سريعة، فضلًا عن سهولة التعرف على شركات الاتصالات الإلكترونية وإصدار الشهادات لها.
وظائف شاغرة في المجال ضمن الإمارات
بعد أن نشط مجال البلوكتشين والعملات الرقمية في دولة الإمارات العربية المتحدة، أثّر هذا النّشاط إيجابًا على الفرص المتاحة في هذا المجال من استثمارات إلى فرص عمل، ومن العوامل الإيجابية الأساسية انتقال المقرات الرئيسية للاعبين كبار في المجال إلى الإمارات. على سبيل المثال، أعلنت شركة بينانس وهي أكبر منصة لتداول العملات الرقمية بأنّ لديها وظائف شاغرة من ضمنها أكثر من 100 وظيفة في الإمارات العربية المتحدة منذ نيسان 2022، عدا عن باقي الشركات الكبيرة الّتي أعلنت عن فرص عمل كثيرة في هذا المجال منذ افتتاح مكاتبها في الإمارات. ورغم ما حدث في الآونة الأخيرة من اضطرابات في السّوق، وقد أُطلق على هذه المرحلة “شتاء الكريبتو-Cryptowinter”، إلا أن الملفت وفي شركة بينانس تحديدًا أنّها مستمرة في الإعلان عبر تطبيق لينكد إن عن وظائفها الشّاغرة ضمن دولة الإمارات العربية المتحدة.