مع دخول تقنية الويب 3.0.. ما هي التغييرات التي ستطرأ على وسائل التواصل الإجتماعي؟
تعدّ وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من الاستهلاك اليومي عبر الإنترنت للعديد من المستخدمين، فيقدّر عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم بأكثر من 4 مليارات شخص. سيطرت “ميتا” أو “فيسبوك” سابقاً، على هذا القطاع لسنوات. ومع ذلك، فقد أدت عوامل عدة في الفترة الأخيرة إلى انخفاض كبير في شعبية هذا العملاق التكنولوجي.
منذ سنوات عدة، كان من الواضح أن “فيسبوك” وشركتها الفرعية “إنستغرام”، تكافحان بشكل كبير في ظل وجود المنافسين الجدد، مثل “تيك توك -TikTok. فيمكننا القول أن “فيسبوك” و”إنستغرام” باتا قديمان مقارنة بوسائل التواصل الاجتماعي الأخرى التي تسيطر على المشهدية الحالية، بخاصة في ظل اقتحام تقنية الويب 3.0 لعالم التكنولوجيا، والتي تتميّز بالعالم الإفتراضي أو “الميتافرس”.
يستهلّ الميتافرس بداية حقبة جديدة من الإنترنت، والتي تخلق فرصًا وتحديات ومخاطر للمستثمرين والمسوّقين والمشاركين الآخرين. ووفقًا لـ PWC ، من المتوقع أن تصل قيمة العالم الإفتراضي إلى 1.5 تريليون دولار بحلول عام 2030. فماذا عن مستقبل وسائل التواصل الاجتماعي؟
إنّ وسائل التواصل الاجتماعي قائمة على تقنية الويب 2.0 النموذجية، وهي أداة تمكين “الويب الذي ينشئه المستخدم”. لكن هذا لا يعني أنها ستندثر مع ظهور الميتافرس والويب 3.0. في الميتافرس، لم تعد الميزات والوظائف التي اعتدنا عليها جميعًا موجودة كـ”الإعجاب” و “المشاركة” و “صفحة الـ “for you”، كما أنها لم تعد تقتصر على التطبيقات الاجتماعية. فباتت موجودة عندما نلعب أو نعمل أو نتعلم أو خلال أداء أي نشاط آخر متّصل بالعالم الإفتراضي.
وبما أن وسائل التواصل الاجتماعي هي إحدى الأسس التي سيتم بناء الميتافرس عليها، فإن العالم الإفتراضي في المقابل، سيؤثر على الطريقة التي نتعاطى بها مع وسائل التواصل الاجتماعي ونستخدمها. فعلى سبيل المثال، “Meta’s Horizons”، لا تزال تحتفظ بالعديد من الميزات والوظائف الأساسية لسابقتها ثنائية الأبعاد، ولا تزال محافظة على اللونين الأزرق والأبيض، فنرى أنّ جزءًا كبيرًا من النظام الأساسي لوسائل التواصل الإجتماعي القائم على الويب 2.0، هو عينه في الميتافرس القائم على تقنية الويب 3.0 . بالإضافة إلى ذلك، لا تزال الملفات الشخصية، وأزرار ا”لإعجاب” و “المشاركة”، كلها موجودة ، فقط تم إضفاء لمسة تجريبية جديدة عليها أكثر تشويقاً.
هل ستكون وسائل التواصل الاجتماعي أكثر أمانًا في الميتافرس؟
إحدى القضايا المهمة التي يجب معالجتها، هي احتمال حدوث ضرر بسبب وسائل التواصل الاجتماعي التي تكون أكثر شمولاً وتفاعلاً وربما أكثر إدمانًا من أي منصة أو شبكة إجتماعية رأيناه من قبل.
على الرغم من جميع الإيجابيات التي ستقدمها للمجتمع مثل تسهيل التواصل مع الأصدقاء والعائلة، فقد تم أيضًا اتّهام وسائل التواصل الاجتماعي التقليدية بتمكين السلوك الضار مثل التسلط عبر الإنترنت والمضايقات ونشر نظريات المؤامرة والأخبار المزيفة.
سيحدث الويب 3.0 تغييرات كبيرة في العديد من مجالات الإنترنت، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي. فما التغييرات التي سيحدثها الميتافرس في وسائل التواصل الاجتماعي؟
- اللامركزية: عندما نتحدث عن وسائل التواصل الاجتماعي اللامركزية، فإننا نعني الشبكات الاجتماعية التي تعمل على خوادم تعمل بشكل مستقل بدلاً من خادم مركزي مملوك لشركة. ففوائد وسائل التواصل الاجتماعي اللامركزية هي الحوكمة من قبل المستخدمين، والحرية، والاستقلالية.
إنّ وسائل التواصل الاجتماعي اللامركزية موجودة في يومنا هذا، أهمها: Minds و Diaspora و MeWe و Mastodon و Signal وغيرها. على الرغم من أن معظمها قد يبدو غير مألوف، إلا أن هذه الشبكات الاجتماعية لديها فرصة كبيرة لاكتساب شعبية في المستقبل القريب. - تجارب إجتماعية غامرة: توفر وسائل التواصل الاجتماعي للناس تجارب اجتماعية تفاعلية منذ عقود ولكن بالطبع رقمياً فقط. ومن خلال الويب 3.0، ستصبح وسائل التواصل الاجتماعي غامرة، فجميع الميزات التي تقدمها الشبكات الاجتماعية ستكون متاحة في الواقع الإفتراضي.
ومن أجل الغوص في هذا العالم وربط التجارب الافتراضية والواقعية، يجب استخدام معدات خاصة مثل نظارات الواقع الافتراضي وتطبيقات الواقع المعزز وغيرها من التقنيات. لذا يجب على وسائل التواصل الاجتماعي الكلاسيكية إعادة بناء نفسها لتكون غامرة وتتماشى مع التطور الحاصل. - التمثيل الرقمي: باتت وسائل التواصل الاجتماعي توفّر بعض أنواع الممثلات أو الأصول مثل الأصول غير القابلة للإستبدال.
بدأت “ميتا – Meta” باختبار الأصول غير القابلة للإستبدال على “إنستغرام” منذ شهر مايو، وها هي اليوم تواصل طرح ميزات الأصول غير القابلة للإستبدال بشكل تدريجي، حيث بات بإمكان مستخدمين محددين مشاركة هذه الأصول على “فيسبوك” و”إنستغرام”، عن طريق ربط محافظهم بكِلا المنصّتين.
ستبدو المنشورات المتعلّقة بالأصول غير القابلة للإستبدال تماماً مثل المنشورات العادية، وفقًا للقطات التي قامت الشركة بنشرها على “تويتر”، وستتضمّن شارة تحدد أنها “قابلة للتحصيل الرقمي”.
هذا وتشير تقارير Forbes إلى أن البيانات المدرجة في DappRadar تظهر أن حجم التداول في أحد أكبر أسواق الأصول غير القابلة للإستبدال “OpenSea “، قد انخفض بنسبة 99 في المائة في الأشهر الأربعة الماضية وحدها. ففي الأول من مايو ، بلغ حجم المعاملات في السوق 2.7 مليار دولار ، مقارنة بـ 9.34 مليون دولار يوم الأحد. ويُظهر متتبع آخر على Dune Analytics مدى انخفاض حجم المبيعات عن الذروة. بطريقة ما، هذا يجعله الوقت المثالي للشبكات الاجتماعية مثل Twitter و Reddit و Facebook و Instagram للقفز متأخرًا وفقًا لمدير Reddit. - الأفاتار أو الصور الرمزية: في السابق، كان بإمكان مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي وضع أيّ صورة يريدونها. أما على الويب 3.0، فسيكون إنشاء الصور الرمزية أمرًا ضروريًا على وسائل التواصل الاجتماعي.
كما سيتم ربط الصور الرمزية ارتباطًا وثيقًا بالأصول غير القابلة للإستبدال. - لوائح تنظيمية جديدة: سيكون التحدي المهم جدًا لوسائل التواصل الاجتماعي القائمة على الويب 3.0 هو “اللوائح التنظيمية”.
حتى اليوم، هناك العديد من المشكلات التي تشوب وسائل التواصل الاجتماعي القائمة على الويب 2.0، مثل المعلومات المضللة وخصوصية البيانات والحرّش الرقمي والمضايقات وغيرها الكثير. فنطاق المشكلة لم يحل بعد. وبالتالي، سترث منصات الويب 3.0 هذه المشكلات من أجل إصلاحها.
بالنظر إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي القائمة على الويب 3.0 ستكون لامركزية وسيتحكم بها المجتمع، فمن المنطقي طرح السؤال التالي: هل سيتوصل المستخدمون إلى إجماع معين حول ما هو مقبول على وسائل التواصل الاجتماعي؟
عندما أصبحت الإنترنت متاحةً للمستخدمين العاديين، ادعى الجميع أنها مساحة جديدة منفصلة عن قوانين الحكومة بحريّة مطلقة. لكن التوقعات لا تتوافق مع حقيقة الإنترنت التي نعرفها اليوم. لهذا السبب لا يمكننا التأكد من أن إنترنت الويب 3.0 سيضمن الأمان والحرية.
وسائل التواصل الإجتماعي القائمة على الويب 3.0
- “ساكند لايف – Second Life”:هو عالم افتراضي ثلاثي الأبعاد تم تطويره باستخدام عناصر شبكة اجتماعية. فهي ليست مجرّد لعبة على الإنترنت فقط، إنّما هي عالم افتراضي كامل، حيث لا يضطر المستخدم فيه إلى القيام بمهام إلزامية أو تحديثات. بدلاً من ذلك، يشارك المستخدمون في المجتمعات التي تهمّهم، ويخلقون سلعًا افتراضية، ويبنون، ويتواصلون بالصوت أو الدردشة مع بعضهم البعض وحتّى يسافرون في هذا العالم الافتراضي. علاوة على ذلك، فإن Second Life تمتلك عملة خاصة بها ( $Linden Dollar (L) ، والتي يمكن استبدالها بأموال حقيقية.
- “ماستودون – Mastodon”: على عكس وسائل التواصل الاجتماعية المركزية، لا يتم التحكم في Mastodon من قبل مقدّمي الخدمات الفرديين ويمكن إنشاؤها في مرافق المستخدمين الخاصة. ويمكن لأي مستخدم نشر موقع التواصل الاجتماعي الخاص به أو الانضمام إلى أي موقع موجود. تسمح العقد المتصلة (the nodes)في شبكة واحدة مشتركة لمستخدميها بالتواصل مع بعضهم البعض. في الوقت نفسه، وعلى عكس الأنظمة الأساسية التقليدية التي تنفذ قواعد SaaS ، فإن لديها بنية لامركزية.
“هورايزن وورلدز – Horizon Worlds “: مع ظهور منصة التواصل الاجتماعي هذه، كان الكثيرون يعتقدون أن “ميتا” تتمتع بصالحية احتكار “الميتافرس”. بعد أكثر من عامين من بدء الاختبار، أطلقت “ميتا” أخيرًا منصّة Horizon Worlds.
يمكن التوغّل في عالم Horizon World باستخدام نظارات الواقع الإفتراضي Oculus. عند دخل المستخدمين إلى عالم Horizon ، يصبح بإمكانهم إنشاء أفاتار خاص بهم، ومقابلة مستخدمين آخرين، والتعرّف على أصدقاء، وإنشاء Horizon Worlds.
هذا ولا يمكن للمبدعين كسب المال مباشرة من عوالمهم. فبدلاً من ذلك، استثمرت “ميتا” 10 ملايين دولار في “صندوق منشئي المحتوى” لمكافأتهم هعند الفوز في المسابقات. الأمر الذي يختلف عن تطبيقات أخرى مثل Roblox، حيث يمكن لمنشئي المحتوى بيع ألعابهم بعملة رقمية داخل اللعبة.
-“زيبيتو – Zepeto”: أصبحت وسيلة التواصل الاجتماعي هذه شائعة للغاية في عام 2018، ويبدو أنها تحظى بموجة ثانية من الشعبية مع بروز الضجة الكبيرة حول الميتافرس.
Zepeto هو تطبيق طوّره الكوري الجنوبي SNOW. فهي شبكة اجتماعية تمثل الصور الرمزية الافتراضية أو “الأفاتار” التي تم إنشاؤها باستخدام تقنية التعرف على وجوه المستخدمين. كما يمكن تغيير شكل الـ”أفاتارات” من خلال تغيير مظهرها وملابسها ومنازلها وتقديم تحيات من خلال الجمع بين العبارات المختلفة والإيماءات أو الرقصات.
والجدير بالذكر أن لدى Zepeto عملة رقمية تُستخدم لشراء حركات وتحيات جديدة.
أخيراً، إنّ التكنولوجيا هي القوة الدافعة التي تجعل العالم مكانًا أفضل، لتغير طريقة عيشنا وتواصلنا وتفاعلنا مع بعضنا البعض. فكيف ستبدو اتصالاتنا في غضون 20 عامًا؟ ربما سيصبح عالم الميتافرس جزءًا كبيرًا من حياتنا ولا غنى عنه، ولكن يبقى السؤال الأساسي: هل يمحي الإتصال الإفتراضي التواصل الواقعي؟