عالم الميتافرس الصناعي: مصنع المستقبل!
لقد تم تبني فكرة التعاون بين الإنسان والآلة من قبل عدد كبير من الشركات المصنعة منذ فترة طويلة، كما فُتح الباب أمام Industry 5.0 الذي يركز بشكل كبير على الاستدامة والمرونة الموجهة للأشخاص. لقد مرّت ابتكارات الهندسة البشرية والتكنولوجيا بعصر البخار والعصر الكهربائي وعصر المعلومات وها هي اليوم تمرّ في العصر الرقمي الذهبي، ويعتقد الكثيرون أن ركيزة هذا العصر الجديد سيكون الميتافرس الصناعي.
إن الميتافرس الصناعي هو بمثابة بنية أساسية جديدة، وتطبيق وبيئة صناعية لتحقيق التكامل العميق بين تكنولوجيا الميتافرس الصناعي والاقتصاد الصناعي. من خلال إنشاء عالم افتراضي يرسم ويتفاعل مع الاقتصاد الصناعي الحقيقي، فإنه يبني تصنيعًا ذكيًا ثلاثي الأبعاد ونظامًا اقتصاديًا ذكيًا يدير دورة الحياة الكاملة للمنتجات الصناعية ويسمح للمؤسسات والمستهلكين بالانضمام.
كيف سيؤثّر الميتافرس على الشركات المصنّعة؟
سيساعد الميتافرس الصناعي على تطوير منتجات أفضل من خلال تمكين الناس من استكشاف المزيد من التصاميم البديلة في وقت أقصر وبتكاليف أقل بكثير. وسيؤدي ذلك إلى الدمج السهل لمبادئ إعادة التدوير والاقتصاد الدائري في عملية التصميم وطرق أكثر كفاءة للإنتاج – مما يمهد الطريق لمزيد من الكفاءة وإزالة الطابع المادي لاقتصاداتنا.
هذا ويقوم الميتافرس الصناعي بتمكين العمال، ففي حين أن الميتافرس الموجّه نحو المستهلك يقوم برقمنة الأشخاص وينقلهم بشكل فعّال إلى العالم الافتراضي، فإنّ الميتافرس الصناعي يقوم برقمنة المعلومات لنقلها إلى العامل. الأمر الذي يعمل على تمكين العمال من خلال عرض المعلومات ذات الصلة أو الكائنات الافتراضية في الوقت المحدد الذي يحتاجون إليه.
فجعلت التطورات التكنولوجية في الواقع المعزز والمدمج (AR و MR) ، مثل النظارات الذكية هذا ممكنًا. تُمكِّن التحسينات على هذه التقنيات العمال من عرض المعلومات وتلقي سير عمل كامل خطوة بخطوة أو حتى صور ثلاثية الأبعاد تفاعلية، يمكن دمجها جميعًا في العالم الحقيقي، دون إعاقة وجهة نظر العامل، وتوفير حل للتحديات التقليدية لتقنيات الميتافرس لعمال الخطوط الأمامية.
الدمج بين العالم المادي والرقمي
تعتبر “التوأمة الرقمية” إحدى التقنيات الرئيسية في الميتافرس الصناعي المتقدمة جدًا والتي تستخدم كل يوم.
تجمع التوائم الرقمية بالفعل بين العالمين الحقيقي والرقمي لتسريع تخطيط المصانع والمباني ومناطق المدينة بأكملها. ومن خلال ربط التوائم الرقمية بمثيلاتها في العالم الحقيقي، من خلال الاستفادة من بياناتهم، يمكننا تحسين العمليات على مدار دورة الحياة بأكملها.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك مصنع سيمنز الرقمي الأصلي في نانجينغ. منذ البداية تم التخطيط لهذه المنشأة باستخدام التقنيات الرقمية. وتمت محاكاة المصنع بالكامل باستخدام توأم رقمي، مما أدى إلى تحسين المبنى واكتشاف المشكلات المحتملة والتخفيف من حدتها في مرحلة مبكرة. كما أنه تم تجنب أخطاء التخطيط الصغيرة والكبيرة ، والتي كانت في الماضي تكلف الكثير من المال والكثير من الوقت. ويستمر المصنع في استخدام قوة المحاكاة أثناء العمليات. أما الفائدة الحقيقية من هذا المصنع الرقمي فهي زيادة القدرة التصنيعية بنسبة 200٪ والإنتاجية بنسبة 20٪.
وبالشراكة مع Nvidia ، ستأخذ “سيمنز” هذه التكنولوجيا الرئيسية للميتافرس الصناعي إلى المستوى التالي. فهي تصنع توائم رقمية تسمح بالتفاعل في الوقت الفعلي، والتي ستبدو كآلات حقيقية، وبفضل معرفة شركة “سيمنز” في هذا المجال واطّلاعها الواسع، ستتصرف الشركتان ولكأنّهما كيان واحد من كل النواحي.
هذا يعني أن المستخدم لا يرى فقط الرسوم المتحركة المثالية، كما هو الحال في الأفلام. يحاكي التوأم الرقمي السلوك تمامًا كما هو الحال في العالم الحقيقي. على سبيل المثال، إذا حصل ارتفاع أو انخفاض في درجة الحرارة، فسوف يتفاعل التوأم الرقمي معها على الفور وبنفس الطريقة تمامًا مثل الأصل الحقيقي في أرض المصنع أو في المبنى. أو يمكنه محاكاة ما يحدث بالضبط عند فشل جزء فردي أو تثبيت مكونات جديدة ومحسنة.
صحيح أن التوأمة الرقمية هي من ركائز الميتافرس الصناعي، لكنها وحدها لن تكفي لإنجاح هذه التجربة الصناعية الفريدة. ستحتاج إلى العديد من التقنيات والابتكارات الإضافية، بالإضافة إلى قوة حوسبة أكبر بكثير، وشبكات أسرع. فضلاّ عن الحاجة إلى ذكاء اصطناعي أكثر قوة، ورقائق أفضل وتقنيات واقع افتراضي أكثر تقدمًا.
وهذه والعديد من الابتكارات الأخرى في طريقها. نحن نشهد تطورات هائلة ستمكننا من بناء واستكشاف وزراعة Metaverse الصناعية في النهاية. يربط إنترنت الأشياء بالفعل أكثر من 10 مليارات جهاز ومن المقرر أن يتضاعف ثلاث مرات في هذا العقد. ومع انتشار شبكات الجيل الخامس والشبكات الفضائية-الجوية-الأرضية المتكاملة ، ستتوفّر شبكات الاتصال العالية والكمون المنخفض في جميع أنحاء العالم. ومن نظارات الواقع الافتراضي والمُعزَّز إلى تقنية الحافة والسحابة وصولاً إلى بلوكتشين والذكاء الاصطناعي ، يتم دمج المزيد والمزيد من التقنيات معًا، مما سيمكّن ميتافرس الصناعي.
“مايكروسوفت” تتبنّى الميتافرس الصناعي
في الآونة الأخيرة، أعلنت Microsoft عن تشكيل فريق جديد لإنشاء الميتافرس الصناعي الخاصّ بها، الذي يخطط لمساعدة العملاء على إنشاء واجهات برمجية جديدة غامرة لتشغيل أنظمة التحكم الصناعية خلف محطات الطاقة الكهربائية والروبوتات الصناعية وشبكات النقل.
وأوضح مدير العمليات في Microsoft “جودسون ألتوف” أن المجالات الاستهلاكية والتجارية والصناعية هي “الفئات الثلاث للابتكار” في الميتافرس.
وقال: إنّ الميتافرس الصناعي يدور حول ربط العالم المادي والرقمي لدفع القطاع إلى الأمام. فهو يجمع بين تقنيات مثل مستشعرات إنترنت الأشياء لتحسين نماذج التصنيع أو سلسلة التوريد أو العمليات اللوجيستية، ويأخذ البيانات من تلك العمليات ويوضعها في بحيرات بيانات كبيرة الحجم في السحابة.
وسيكون للميتافرس الصناعي أثر كبير من خلال ثلاث نقاط وهي: تصميم منتجات جديدة، وإنشاء منتجات، وتحسين العمليات. ووفقًا له، يقدّر معظم المحلّلين أن قيمة الميتافرس الصناعي ستتجاوز 200 مليار دولار بحلول عام 2030.
هذا وطبّقت Microsoft بالفعل قدرات الميتافرس الصناعي مع شركات مثل Hellenic، وهي واحدة من أكبر شركات التعبئة في شركة Coca Cola. تخدم Hellenic 29 سوقًا في جميع أنحاء أوروبا، ولديها أكثر من 55 منشأة في جميع أنحاء أوروبا وتنتج 90.000 زجاجة من منتجات Coca Cola في الساعة في خط إنتاج واحد فقط.
كشف “ألتوف” إن المصنع وفّر أكثر من 9٪ من تكلفة الطاقة في فترة 12 أسبوعًا من خلال بناء نسيج مستشعر، وإنشاء توائم رقمية، والسماح لعمال المصنع بالانغماس في التوئمة الرقمية.
غالبًا ما يتعيّن على العديد من الشركات بناء مصانع جديدة من أجل إنتاج منتجات أكثر استدامة ، لكن أشار “ألتوف” إلى أن بناء بنية أساسية جديدة تمامًا يمكن أن تكون الأكثر تأثيرًا على البيئة.
بحلول نهاية هذا العقد، من المتوقع أن يصبح الميتافرس سوقًا بمليارات الدولارات، مع حصة كبيرة للتطبيقات الصناعية. ولكن الأهم من ذلك، أنه يمكن أن يكون أحد أكبر القوى لدفع كل من الاستدامة والتحول الرقمي للشركات والصناعات بأكملها. فسيجعل الابتكار أسهل، وسيحدث التقدم بشكل أسرع، ويصبح وقت التسويق أقصر، ويقلل من الهدر ويساعدنا على استخدام موارد طبيعية أقل.
فهل نحن أمام ثورة جديدة في المجال الصناعي؟