الإجراءات التنظيمية القاسية تلقي بظلالها على قطاع الكريبتو
“المشهدية قبل انهيار منصة “إف تي أكس – FTX”، ليست كما بعدها”.. منذ دخول سوق الكريبتو في النفق المظلم وتوالي انهيارات منصات التداول والإقراض وغيرها واحدة تلو الأخرى، وبخاصة “إف تي أكس”، تبدّلت المشهدية العامة لقطاع الكريبتو وبات مصدر قلق للجهات الناظمة من حول العالم. فما كان على الجهات المعنيّة أو السلطات المرتبطة نوعاً ما بهذه الأنشطة، إلّا أن تتدخّل لزيادة جهودها التنظيمية في القطاع لتجنّب تكرار سيناريو الانهيارات وحماية للمستثمرين وإبعاد كأس المرارة عن القطاعات المالية.
وها هي هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية اليوم، تلعب الدور الأكبر في تنظيم القطاع من خلال اتخاذ قرارات عدّة لا يمكن تصنيفها كلّها بأنها “عادلة”، إنّما يمكننا القول أننا أمام مشهدية تنظيمية جديدة لقطاع العملات الرقمية.
كراكن توقف خدمات تجميد الأصول الرقمية
وافقت منصة العملات الرقمية “كراكن- Kraken” على تسوية مع هيئة الأوراق المالية والبورصات ودفع غرامة 30 مليون دولار ورضخت من دون مقاومة بإيقاف خدمة تجميد العملات والأصول والممثلات الرقمية في أميركا .
إن تجميد الأصول مقابل عائد هي خدمة شائعة تقوم بها العديد من المنصات مثل باينانس وكوين بيس وغيرها، ولكن بعكس كرتكن، بادر براين أرميسترونغ، الرئيس التنفيذي لكوين بايس بأنه على أتم الاستعداد للمثول أمام هيئة الأوراق المالية والبورصات للدفاع عن منتج شركته المدرجة في البورصة الأميركية.
هذا وكانت “كراكن” قد وافقت في نوفمبر الفائت على دفع 362 ألف دولار لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية لتسوية المسؤولية المدنية المتعلقة بالانتهاكات الواضحة للعقوبات المفروضة على إيران واستثمار 100 ألف دولار إضافية في بعض ضوابط الامتثال للعقوبات.
وكشف الرئيس التنفيذي الجديد للشركة لرويترز في سبتمبر أن “كراكن” ليس لديها خطط للتسجيل لدى هيئة الأوراق المالية والبورصات كوسيط في السوق، أو لشطب الممثلات للعملات الرقمية التي صنفتها الهيئة التنظيمية على أنها أوراق مالية.
أمر “باكسوس” بوقف إصدار عملة “بينانس” المستقرة
أصدرت إدارة الخدمات المالية في نيويورك تعليمات إلى منصة “Paxos Trust” بوقف إصدار عملة “Binance USD” الرقمية المستقرة، المرتبطة بالدولار، بسبب اعتقادها بأن “BUSD” ورقة مالية غير مسجلة.
يأتي هذا التوجيه بعد أن أرسلت لجنة الأوراق المالية والبورصات إشعاراً إلىPaxos ، مما يشير إلى أن اللجنة ستتخذ إجراءاتٍ تنفيذية. ومع ذلك، على الرغم من الطلب، تستمر Paxos في التعامل مع المعاملات لهذا الرمز، الذي تملكه وتديره الشركة بالكامل. وهذا يعني أن القيمة السوقية لـ BUSD ستنخفض بمرور الوقت، وفقاً لمؤسس Binance ورئيسها التنفيذي، تشانغبينغ زاو.
وكان لشركة Terraform Labs حصة من إجراءات لجنة الأوراق المالية والبورصات، التي اتهمتها ومؤسسها “دوكوون”، بالاحتيال على المستثمرين من خلال مخطط بمليارات الدولارات.
بالإضافة إلى مزاعم الاحتيال ضد Terraform Labs ومؤسسها، اتهمت هيئة الأوراق المالية والبورصات الشركة بانتهاك قوانين الأوراق المالية الأميركية من خلال إنشاء بروتوكول Mirror، وهو نظام أساسي يسمح للمستخدمين بإنشاء “أصول تسمّى ” mAssets “.
هل إجراءات لجنة البورصات عادلة؟
يمكن أن يكون لقواعد ولوائح هيئة الأوراق المالية والبورصات الجديدة المتعلقة بمنصات التداول بالعملات الرقمية تأثير كبير على القطاع. فبالنسبة لمنصات التداول، يمكن اعتبار اللوائح التنظيمية الأكثر صرامة، مخيفة ويصعب الامتثال لها. ومع ذلك، تساعد اللوائح التنظيمية في حماية المستثمرين ويمكن أن تساعد في تحقيق المزيد من الشرعية والاستقرار في سوق العملات الرقمية. من ناحية أخرى، إنّ التنظيم المفرط يكبّل الابتكار ويمنع قطاع العملات الرقمية من تعزيز إمكاناته. في النهاية، يجب أن تكون قواعد ولوائح هيئة الأوراق المالية والبورصات (SEC) متوازنة بعناية من أجل ضمان استقرار ونمو قطاع العملات الرقمية وفي الوقت عينه، تجنّب حدوث انهيارات كبرى تسبب في خسائر بمليارات الدولارات. كما يمكن أن يؤدي التنظيم المتزايد إلى أسعار أكثر استقرارًا وأقل تقلبًا.
البنوك تبتعد عن العملات الرقمية!
تبتعد البنوك عن شركات العملات الرقمية واحدة تلو الأخرى، خشيةً من الإجراءات التنظيمية التي تهدد بفصل العملات الرقمية عن النظام المالي في العالم الحقيقي. يثير المنظمون المصرفيون مخاوف بشأن تورط البنوك مع عملاء العملات الرقمية في أعقاب انهيار منصة FTX. كما سبق وذكرنا، تطارد لجنة الأوراق المالية والبورصات بقوة أكبر اللاعبين في القطاع في حملة صارمة تهدد بتضييق نطاقهم. وأثارت هذه الخطوة قلق المصرفيين الذين لا يرغبون في التعامل مع العملاء في منطقة التقاطع التابعة لهيئة الأوراق المالية والبورصات.
وفي هذا الصدد، تعمل البنوك الصغيرة القليلة التي تعمقت في العملات الرقمية على تقليل تعرضها للسوق أو قطع العلاقات تمامًا. فالبنوك التي ابتعدت عن العملات الرقمية تحاول إغلاق الحسابات وتجنّب العملاء الذين لديهم اتصالات محتملة بالقطاع.
أعلن بنك متروبوليتان التجاري في نيويورك في الآونة الأخيرة أنه سيوقف أعماله في مجال العملات الرقمية، مشيرًا إلى تغييرات جوهرية في البيئة التنظيمية. هذا وقطع بنك Signature علاقاته مع منصة “بينانس”. كما بدأ The Lender، وهو أحد البنوك الرائدة في مجال العملات الرقمية، في تقليص علاقاته مع مودعي العملات الرقمية في أواخر العام الماضي.
أمّا Citigroup، فأغلق فجأة حساب Swan Bitcoin في نوفمبر الماضي.
سُلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضيّة تطلق أطر تنظيمية جديدة
فعندما نتحدّث عن الأطر التنظيمية لقطاع العملات الرقمية، لا يمكننا إلّا التطرّق إلى دور الإمارات العربية المتحدة الأساسي في تنظيم وريادة هذا القطاع في الشرق الأوسط.
أطلقت سلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضية في الآونة الأخيرة، لوائحها وكتيباتها القانونية التنظيمية المتعلقة بالأصول الرقمية. وتسعى السلطة من خلال القواعد والإرشادات التي تم تصميمها بعناية لتوفير الوضوح وضمان اليقين في السوق والتخفيف من المخاطر ذات العلاقة، بالإضافة إلى تطوير إطار نموذجي للاستدامة الاقتصادية العالمية في بيئة تتمحور حول الابتكار واستشراف المستقبل.
يركز الإطار التنظيمي لسلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضيّة الخاص بالأصول الافتراضية على المخاطر التي يمثلها كل نشاط من أنشطة الأصول الافتراضية على السوق، ويسعى إلى تزويد مزودي خدمات الأصول الافتراضية بإطار عمل واضح للقواعد التي تنطبق على عملياتهم ونماذج الأعمال الخاصة بهم، مع الحفاظ على الحد الأدنى من معايير الامتثال عبر المجالات التنظيمية الأساسية.
هذا وسيُطلب من مزودي خدمات الأصول الافتراضية الذين يستوفون متطلبات ترخيص سُلطة تنظيم الأصول الافتراضيّة الامتثال لأربعة كتيبات قواعد إلزامية وهي: الشركة، الامتثال وإدارة المخاطر، التكنولوجيا والمعلومات، وسلوك السوق. بالإضافة إلى ذلك، تم تطوير سبعة كتيبات قواعد خاصة بالأنشطة لتلبية المخاطر المرتبطة بتوفير كل نشاط من أنشطة الأصول الافتراضية، وهي: الاستشارات، الوساطة، الوصاية، الاستبدال، الإقراض والاقتراض، المدفوعات والتحويلات، الإدارة والاستثمار.
كما سيُطلب من مزودي خدمات الأصول الافتراضية الحاصلين على ترخيص من قبل سُلطة تنظيم الأصول الافتراضيّة لتقديم أي نشاط معين الالتزام فقط بكتيب قواعد هذا النشاط. وضعت السُلطة أيضاً قواعد لإصدار جميع الأصول الافتراضية، بالإضافة إلى أنشطة تسويقها.
وأيضاً، يجب على جميع المشاركين في السوق، سواءً كانوا مرخصين أو غير مرخصين من سُلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضيّة الالتزام باللوائح التنظيمية للتسويق والإعلان والعروض الترويجية. ويجب أن يكون مزودو خدمات الأصول الافتراضية والشركات التي تقدم أنشطة الأصول غير الافتراضية والأفراد على دراية بالعقوبات الخاصة بعدم الامتثال.