العملات الرقمية رغم الانهيارات والقيود “وُجِدنا لِنبقى!”
ما بعد عام 2022 الحافل بالأصداء السلبية في قطاع العملات الرقمية من انهيارات كان أبرزها إفلاس منصة العملات الرقمية العالمية “أف تي أكس-FTX” وأذرع ضخمة أخرى. يبدو حالياً أن 2023 حلّت كعام التركيز على كيفية تنظيم قطاع العملات الرقمية دولياً وعالمياً من قبل منظمات الرقابة المالية العالمية، أو ربّما عام فرض القيود؟!
مع مراقبة آخر الإجراءات الّتي اتُّخذت مؤخراً من قبل جهات عدة كهيئة مراقبة الأوراق المالية الأميركية (SEC) والاتحاد الأوروبي وغيرها من سلطات إدارة النقد والشؤون المالية عالمياً، لوحظَ أن هذه الأخيرة تسعى لفرض قواعد وقوانين خاصة بالعملات الرقمية وتحديداً على العملات الرقمية المستقرة إذ تعتبر القيمة المالية الثابتة في هذا السّوق. والعملة الرقمية المستقرة (Stable Coin) هي تلك العملات التي تكون قيمتها مرتبطة بعملة أو سلعة أو أداة مالية أخرى. تهدف العملات المستقرة إلى توفير بديل للتقلبات العالية للعملات الرقمية الأكثر شيوعاً، بما في ذلك عملة البيتكوين- Bitcoin (BTC) وغيرها.
إجراءات صارمة من الجهات المنظمة على العملات الرقمية
ظهر جلياً في الآونة الأخيرة أن السلطات المالية عالمياً بدأت بالسعي لتنظيم لامركزية العملات الرقمية، وركّزت هذه المساعي بمعظمها على فرض قيود كثيرة لتلقي الولايات القضائية عالمياً باستحواذها على إدارة هذه السوق.
ففي أوروبا صرح مسؤول تنفيذي باسم كتلة برلمانية كبيرة منذ أسابيع أنه يجب تسريع إصدار قواعد رأس المال الصارمة للبنوك التي تحتفظ بالأصول الرقمية في القانون المصرفي الخاص بالاتحاد الأوروبي.
هذا وحددت لجنة بازل العالمية “Basel” للمنظمين المصرفيين من المراكز المالية الرئيسية في العالم موعداً نهائياً في يناير 2025 لتنفيذ قواعد رأس المال للبنوك المحتفظة بالأصول الرقمية كالعملات الرقمية المستقرة والبيتكوين.
أما في أميركا، فقد صوّتت لجنة مؤلفة من خمسة أعضاء من لجنة الأوراق المالية بالولايات المتحدة(SEC) بأربعة أصوات مقابل صوت واحد لصالح اقتراح قد يجعل من الصعب على شركات العملات الرقمية العمل كأوصياء للحفظ الأمين على الأصول الرقمية في المستقبل.
ويوصي الاقتراح الذي لم تتم الموافقة عليه رسميًا من قبل لجنة الأوراق المالية والبورصات، بإجراء تعديلات على “قاعدة الحفظ الأمين” على أمناء الأصول بما في ذلك العملات الرقمية، وفقًا لبيان صدر في 15 فبراير من رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات “غاري جينسلر”.
ومنذ أسبوع، كان “غاري جينسلر”، رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية (SEC)، يواصل اتخاذ إجراءات صارمة ضد قطاع العملات الرقمية. إذ أعلن خلال انعقاد لجنة استشارية للمستثمرين أنه لا يمكن لمستشاري الإستثمار الاعتماد على منصات الإقراض ومنصات العملات الرقمية كأوصياء معتمدين للحفظ الأمين.
وأضاف جينسلر: “ليس بالضرورة أن تكون منصة تداول العملات الرقمية بمثابة حافظ أمين مؤهّل، لمجرّد ادّعائها بذلك.. فعندما تفشل هذه المنصات، وهو حدث شهدناه مرارًا وتكرارًا، غالبًا ما تصبح أصول المستثمرين ملكًا للشركة المفلسة، مما يترك المستثمرين تحت مسؤولية محكمة الإفلاس.”
إضافةً إلى ذلك، لاحظ البعض أن هذه السلطات التنظيمية تشن “حربًا على العملات الرقمية” وتركز على خدمات تجميد الأصول وعلى العملات المستقرة التي تعتبرها خاضعة لقوانين الأوراق المالية.
هذا ورأى الرئيس التنفيذي في “بينانس”، تشانغبينغ زاو، أن هذه الحملة القمعية يمكن أن يكون لها تأثير سلبي كبير وطويل الأمد في الولايات المتحدة الأميركية.
وتجدر الإشارة إلى أن المنظمين في نيويورك قد منعوا “باكسوس” من إصدار المزيد من العملات المستقرة BUSD التي تحمل علامة “بينانس” في الأسابيع الماضية. هذا وأجبرت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية منصة العملات الرقمية كراكن- Kraken منذ ما يقارب الشهر على دفع غرامة قدرها 30 مليون دولار وتعليق خدمات تجميد الأصول لديها.
أزمة إفلاس البنوك العالمية والعملات الرقمية
دخلت سوق العملات الرقمية في حالة تأهب قصوى يوم السبت الماضي عندما أثّر فشل بنك سيليكون فالي (SVB) سلباً عليها.
وقد تدهورت أسعار العملات المستقرة بشكل كبير وارتفعت رسوم الغاز حيث سارع المستثمرون إلى نقل الأموال بعد ساعات من إغلاق المنظمين لبنك سيليكون فالي. وما يصنّف سلبياً أن هذا البنك أصبح ثاني بنك مرتبط بالعملات الرقمية يتم إعلان وقف عملياته، فقد سبقه بنك “سيلفر غايت-SilverGate” منذ أسبوعين أيضاً. ومن ثم تبعهما كل من بنك سيغنايتشر- Signature وبنك كريدي سويس-Credit Suisse.
وقد تخوّف ناشطو المجال من أن تؤدي أزمات البنوك هذه إلى زيادة سوء فترة شتاء الكريبتو التي كانت تمرّ بها السوق منذ عام 2022.
جراء هذا، انخفضت USDC (التي تتبع لعملة Circle مقابل العملة الأكبر الصادرة عن Tether- USDT) إلى 87 سنتاً في منصة Kraken في الساعة 07:16 بالتوقيت العالمي يوم السبت الماضي – أي أقل بكثير من أي وقتٍ مضى وسط ضغوط السوق التي أعقبت كارثة أف تي أكس- FTX في نوفمبر. لتؤكّد بعد ذلك شركة الخدمات المالية “Circle” في وقتٍ متأخر من يوم الجمعة الماضي أن حوالي 3.3 مليار دولار من الاحتياطيات التي تدعم ثاني أكبر عملة مستقرة في العالم (USDC) كانت مرتبطة ببنك واحتياطات “سيليكون فالي- SVB”.
وقد انخفضت القيمة السوقية لـ USDC الآن إلى أقل من 40 مليار دولار.
وبالمقابل، ارتفعت USDT إلى 1.06 دولار على منصة Kraken مقابل الدولار الأمريكي حيث بدا أن المستثمرين يحولون أموالهم بعيداً عن USDC.
لماذا ارتفع سعر بيتكوين رغم التدهور الحاصل؟
في أعقاب انهيار بنك سيليكون فالي، يرتفع سعر العملة الرقمية!
كان من المتوقع انخفاض أسعار العملات الرقمية عند تدهور الأسواق ما بعد أزمة البنوك الحاصلة. إلا أنه وبدلاً من ذلك، ارتفع سعر عملة البيتكوين!
ولارتفاع سعر البيتكوين وسط الأزمة وبالمقابل انخفاض سعر عملة أخرى أسباب عدة. ارتفعت عملة البيتكوين بنحو 18 في المائة بعد الأخبار التي تفيد بأن المنظمين كانوا يعملون على تأمين جميع المودعين في بنك سيليكون فالي وسينشئون صندوقاً لدعم الآخرين في جميع أنحاء الولايات المتحدة. أما ما يحدث مع ارتفاع الأسعار فيلخّص بمصطلح واحد وهو “أسعار الفائدة”.
العملة الرقمية بتعريفها هي أصل محفوف بالمخاطر يتم تداوله وفقاً للتغيرات في الاتجاه المستقبلي لأسعار الفائدة، ووفقاً لعدد أسهم النمو. لذا، عندما ترتفع الأسعار يبتعد المتداولون عن الأصول الخطرة، ولكن عندما تنخفض الأسعار، فإنهم يميلون إلى الانتقال إلى الأصول ذات المخاطر العالية. والآن فإنهم يتوقعون أن تتباطأ الوتيرة السريعة لزيادات أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، هذا إن لم تتوقف تماماً.
كان بنك الاحتياطي الفيدرالي يلاحق سياسة رفع أسعار الفائدة القصيرة الأجل بسرعة من أجل خفض التضخم، الذي كان عند أعلى مستوياته في عدة عقود مؤخراً. وقد أدى ارتفاع أسعار الفائدة قصيرة الأجل إلى زيادة تكاليف تمويل البنوك، وأضر بأسعار السندات ووضع غطاء على أسعار الأسهم.
ويرى مؤيدو العملات الرقمية أن مؤشر بيتكوين- Bitcoin الإيجابي هو علامة تدل على استقرارها والاقبال المتزايد عليها.
وشرحاً للأسباب، صرحت مؤخراً غابرييلا كوش، الرئيسة التنفيذية لجمعية الأصول الرقمية العالمية والعملات الرقمية، قائلةً: “عندما تبدأ الجهات الفاعلة في فهم الدور الذي لعبته السياسة النقدية الأميركية والتضخم والزيادات في أسعار الفائدة في تحديات القطاع المصرفي الحالية، فمن المحتمل أن نرى تحركاً نحو البيتكوين- Bitcoin وأشكال أخرى من العملات الرقمية كانعكاس لقيمتها المحتملة كحافظ بديل للقيمة في حالات مماثلة لهذه التدهورات المصرفية.”
ورغم أن الاتجاه نحو البيتكوين قد يبدو متناقضاً، إذ أن المستثمرين في حالةٍ متوترة وكأنهم عرضة للهروب إلى أصول “الملاذ الآمن”، إلا أنها فعلياً سجّلت مؤشراً إيجابياً ويتم تداولها الآن بسعر 27840$ دولار وبعوامل إيجابية محيطة تتوقع الصعود. (في وقت كتابة هذا التقرير)
ما العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى انخفاض سعر البيتكوين أو العملات الرقمية ككل من جديد؟
كما اعتاد خبراء وناشطو مجال العملات الرقمية أنه لانخفاض أو ارتفاع أسعارها أسباب وعوامل وظروف عدة، وهناك العديد من العوامل الثابتة التي يمكن أن تسبب انخفاضاً في سعر البيتكوين وأسعار السوق ككل، ولكن بظروف متبدلة، أبرزها:
- معنويات السوق: يتأثر سعر البيتكوين بشدة بمعنويات السوق. إذا كان هناك أخبار سلبية أو تدهور بعامل الثقة في سوق العملات الرقمية ككل، فقد يؤدي ذلك إلى انخفاض الطلب، وبالتالي انخفاض السعر.
- التغييرات التنظيمية: خاصةً في الوقت الحالي، يمكن للحكومات والهيئات التنظيمية إدخال قوانين ولوائح جديدة تؤثر على استخدام وتداول العملات الرقمية. وهذا يمكن أن يؤدي إلى انخفاض في الطلب، وبالتالي انخفاض في السعر.
- المنافسة: هناك العديد من العملات الأخرى المتاحة، وإذا قرر المستثمرون تصويب انتباههم إلى عملات أخرى، فقد يؤدي ذلك إلى انخفاض الطلب على البيتكوين- Bitcoin أو غيرها، وبالتالي انخفاض السعر.
- المشكلات التقنية: بيتكوين-Bitcoin هو أصل رقمي يعتمد على التقنية، وأي مشكلات فنية مثل الخروقات الأمنية أو ازدحام الشبكة أو أخطاء البرامج يمكن أن تؤدي إلى انخفاض الثقة، وبالتالي انخفاض الطلب والسعر.
- العرض والطلب: مثل أي أصل، يخضع سعر البيتكوين وعملات أخرى لقوانين العرض والطلب. إذا كان هناك عمليات بيع أكثر من الشراء، فسوف ينخفض السعر.
تجدر الإشارة إلى أن هذه العوامل ليست حصرية، ويمكن أن تلعب عوامل أخرى متعددة دوراً في انخفاض حالة السوق في الوقت نفسه.