تقنيات البلوكتشين والعملات الرقمية أصبحت حلًا نحو تحقيق الشمول المالي في أفريقيا!
تصنّف دول القارة الأفريقية بغالبيّتها كدولٍ نامية أي دول تتّسم بمعيار منخفض لمستوى المعيشة. وعدا عن ذلك من الناحية المالية توضح التقارير العلمية حول الخدمات المصرفية الرقمية في أفريقيا بأن القطاع المصرفي والمعاملات المالية ينقصه عامل أساسي وهو الشمول المالي والمصرفي للأفريقيين ما ينتج عن ذلك الضعف الكبير في هذا القطاع. فقد تبيّن في تقريرٍ علمي حديث أعدّته “BPC” حول الخدمات المصرفية الرقمية في أفريقيا أن 57 بالمائة من الأفريقيين لا يحملون أي نوع من البطاقات المصرفية ولا يمتلكون حتى أي حسابات مالية عبر الهاتف.
فكيف ساعدت التكنولوجيا المالية في أفريقيا بتوفير الخدمات المصرفية إلى هذه النسبة الكبيرة من الذين لا يمتلكون حسابات مصرفية؟ وبشكل خاص، كيف ساعدت تقنيات البلوكتشين والعملات الرقمية والتحويلات الرقمية على إتاحة وتسهيل هذه الخدمات للمحرومين من الشمول المصرفي والمالي في القارة الأفريقية؟
كيف بدأت الخدمات المصرفية الرقمية في أفريقيا؟
بدأت الثورة الرقمية بإدخال الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول من قبل مشغلي الاتصالات مثل “سفاري كوم –Safaricom” في كينيا، وهي شركة تابعة لمجموعة “فودافون-Vodafone” البريطانية، عبر نظام M-Pesa الخاص بها، والذي تجاوز نشاط البنوك بسرعة.
وفي قارةٍ كانت ضعيفة حتى ذلك الحين في مجال التغطية المصرفية، بمتوسط معدل مصرفي يتراوح بين 5 و15 في المائة في البلدان الأفريقية، باستثناء منطقة المغرب العربي وجنوب إفريقيا، تمكن مشغلو الاتصالات المتنقلة من استغلال قربهم من العملاء والاستفادة من ميزات الهاتف المحمول، سواء باستخدام الهواتف الأساسية المسماة “الهواتف المميزة” وباستخدام بروتوكول USSD أو الهواتف الذكية، لتقديم مجموعة واسعة من الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول.
وقد تطورت استخدامات الأموال القابلة للتداول من عمليات إجراء المعاملات (الدفع والاسترداد ومدفوعات الفواتير، ومدفوعات الرواتب، والتحويلات المصرفية إلى التحويلات عبر الهاتف المحمول، وما إلى ذلك) إلى الخدمات المالية المتقدمة التي تنطوي على أنظمة إيكولوجية كاملة تدعمها رقمنة وتقنيات مستجدة كالبلوكتشين. وتجدر الإشارة إلى أنه في عام 2018، تم تسجيل ما يقرب من 346 مليون حساب نقدي عبر الهاتف المحمول في إفريقيا مقارنة بـ 120 مليون حساب مصرفي.
تقنية البلوكتشين والعملات الرقمية خدمت إتاحة الخدمات الرقمية المصرفية في أفريقيا
ما بعد جائحة كورونا، نشط مجال العملات الرقمية حول العالم وفي أفريقيا على وجه الخصوص إذ أن الأفراد لجأوا لهذه التقنية لأنها تعوض حرمانهم من الخدمات المصرفية، فكيف إذا كانت تتميز باللامركزية وتنقذهم من التضخم الدائم الذي تعاني منه الدول الأفريقية؟
وأصبحت العملات الرقمية شائعة في البلدان الأفريقية والبلدان النامية الأخرى بشكلٍ كبير. فوفقًا لموجز أصدرته مؤخرًا وكالة UNCTAD التابعة للأمم المتحدة، نسبة كبيرة من سكان كينيا (8.5٪) وجنوب إفريقيا (7.1٪) ونيجيريا (6.3٪) يستخدمون العملات الرقمية. وفي يونيو، اعتمدت جمهورية إفريقيا الوسطى عملة البيتكوين بشكلٍ قانوني.
هذا وأتاحت العملات الرقمية التي يتم تداولها على شبكات قائمة على تقنية البلوكتشين الكثير من المميزات للمواطن الأفريقي الذي لا يمتلك حسابًا مصرفيًا أو حسابًا ماليًا عبر الهاتف حتى. فقد وفرت العملات والأصول الرقمية اللامركزية التي سهّلت انفتاحهم في المجال المالي نحو الأسواق العالمية والخارجية عبر التطبيقات اللامركزية وحمتهم من التضخم الذي تسبب في انخفاض قيمة العديد من العملات بمرور الوقت، فمن اشترى بعملاته الأفريقية عملات رقمية اليوم لم يتأثر لاحقًا باستمرار انخفاض عملته المحلية. إضافةً إلى ذلك، تمكن الأفريقيون من أن تكون حساباتهم المالية محكومة ذاتيًا ومدارة من قبلهم فقط بأمان وخصوصية. كما أتاحت لهم هذه التقنيات إجراء عمليات تداول العملات بسهولة وعبر حدود القارة بكلفة منخفضة ووقتٍ سريع.
الحل للشمول المالي لأفريقيا
في حالة كالقارة الأفريقية وفي إطار إدخال التقنيات التحويلية كالبلوكتشين والعملات الرقمية، إن حجم وأهمية الأنظمة المالية المعتمدة التي تتسم بالضعف تمثل عقبة يصعب على البنوك دائمًا التغلب عليها وعلى العكس تشكل نقطة قوة وفرصة كبيرة للبلوكتشين والعملات الرقمية لتبنيهما بشكل أوسع. وعدم وجود نظم قائمة في أفريقيا تحرر هذه التقنيات من القيود التي يمكن أن تعيق تطورها وتسمح هذه الأنظمة الهشة للكيانات والشركات بتنفيذ مشاريعها المتعلقة بالإدماج المالي. ويبدو أن القارة الأفريقية حققت قفزة تقنية إلى الأمام بعد نشر الخدمات المصرفية الرقمية والبلوكتشين وبعدما نشطت تداولات العملات الرقمية منها وإليها أكثر فأكثر. لذلك، وُجدت هذه التقنيات المستجدة في التكنولوجيا المالية كحل للخدمات المصرفية التقليدية والتي تجعل التغلب على أوجه القصور في البنية التحتية المصرفية سهلًا وبالتالي تسرع الشمول المالي إن كان في أفريقيا أو حتى حول العالم!
أكثر العملات الرقمية المتداولة في أفريقيا
تشمل العملات الرقمية المتاح تداولها بنسبة عالية في أفريقيا عملات بيتكوين- Bitcoin ولايت كوين- Litecoin واكس أر بي- XRP وداش- Dash وليسك- Lisk ومونيرو- Monero. أما بيتكوين فهي العملة الأولى الأكثر تداولًا والتي تقود المجموعة في القارة الأفريقية. وتستخدم العملات الرقمية في الدول الأفريقية التالية، كينيا ونيجيريا وتوغو وجنوب افريقيا وغانا وتنزانيا والكاميرون والسنغال وزمبابوي وكوت ديفوار وبوتسوانا. وقد صنّفت دول كينيا ونيجيريا وتوغو وجنوب افريقيا وغانا ضمن الـ20 دولة الأوائل في اعتماد العملات الرقمية في المؤشرات العالمية. وفي الواقع، تقود كينيا القارة في عمليات التداول من النظير إلى النظير عبر العملات الرقمية.
مستقبل العملات الرقمية في أفريقيا
على الرغم من الاضطرابات التي حصلت في السوق في الآونة الأخيرة، كل المؤشرات تشير إلى أن هذه العملات وجدت لتبقى وخاصةً بعد تبني دول كثيرة لها إذ من المؤكد أن العملة الرقمية تمثل اليوم مستقبل المعاملات المالية. على صعيد أفريقيا، اعتمدت حكومتا السلفادور وجمهورية إفريقيا الوسطى عملة البيتكوين قانونيًا، رغم أن تنفيذ ذلك واجه انتقادات كثيرة. كما أدركت دول أخرى، مثل نيجيريا، الحاجة إلى تمثيل الدولة للعملات الرقمية بهيئة عملات رقمية صادرة عن البنك المركزي في حين تقوم العديد من الدول الأخرى الآن باستكشاف هذه الخطوة أيضًا. فهل صحيحٌ كما تشير المعطيات بأن القارة الأفريقية بدولها توسع بوصلتها لاعتماد مجال العملات الرقمية الذي يقوم بدوره على تقنيات البلوكتشين؟